الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

كشكش بك

نجيب الريحاني 

عماد خلاف 

عاش نجيب الريحاني أيامًا عصيبة كغيره من ملوك الكوميديا في الوطن العربي، ما بين البدايات والنهايات حكايات ومواقف كثيرة تروي عن أحد الرواد الأوائل الذي أجبره الجمهور على أن يكون ممثلًا كوميديًا، مع أنه كان يعشق الدراما، بالإضافة إلى احتقار والدته له كممثل، إلى أن غيرت رأيها في النهاية عندما كانت تستقل المترو عائدة إلى منزلها في مصر الجديدة، وسمعت أناس يتحدثون عن ابنها نجيب الريحاني، ويثنون عليه ويشيدون بفنه الرائع، وما أن سمعت الإشادة، وقفت في وسط عربة المترو واتجهت إلى المتكلمين وقالت بأعلى صوتها، الراجل اللي بتتكلموا عنه ده يبقي ابني، أنا والدة نجيب الريحاني الممثل، ويصف الريحاني هذا المشهد في مذكراته قائلا: أمي التي كانت تأنف أن أوصم بالممثل، هي التي جاءتني إلى تياترو "الإجيسياية" خصيصًا لمشاهدتي فكان هذا اليوم من أسعد، إن لم يكن أسعد أيام حياتي.

 نجيب الريحاني وبديع خيري

حتى أن بديع خيري الصديق الوفي له قال إن نجيب الريحاني كان يحترم فنه ويعتكف في غرفته في المسرح قبل الخروج إلى خشبة المسرح ساعة كاملة وأكثر، وأنه في عام 1942 كان الدكتور روزات قد نصحه بالابتعاد عن المسرح ستة أشهر حرصًا على صحته إلا أن الريحاني قال مقولته: خير لي أن أقضي نحبي فوق المسرح من أن أموت على فراشي.

 كشكش بك

وشخصية "كشكش بك" عمدة كفر البلاص، حكاية يرويها نجيب الريحاني في مذكراته مؤكدًا أنها خيال، واصفا لحظة ابتكارها عندما كان نائمًا ليرى بعينه شخصًا يرتدي الجبة والقفطان وعلي رأسه عمامة ريفية كبيرة، ليستيقظ من نومه، ويقوم الريحاني بإدخال بعض التعديلات على الشخصية، لتصبح عبارة عن عمدة من الريف يأتي إلى القاهرة ويحمل معه الكثير من المال وتلتف حوله النساء الحسناوات ليضيع ماله عليهن، وما أن تمخضت الشخصية واكتملت في ذهن الريحاني حتى ذهب بها إلي الخواجة "روزاتي" صاحب ملهي "الابيه دي روز" الذي كان على وشك الإفلاس وإغلاق الملهي، ويرجوه الريحاني أن يؤجل الغلق أيامًا قليلة حتى يقوم بعرض الشخصية على المسرح وبالفعل كانت أولى الروايات "كشكش بك"، وكانت عبارة عن اسكتش فكاهي لمدة عشرين دقيقة وجعل اسم الرواية "تعالي لي يا بطة" وبالفعل نجحت شخصية كشكش بك، وأرتفع أجر الريحاني من 40 قرشًا إلى سبعة وعشرين جنيها في الشهر، وظلت تقدم على خشبة المسرح لمدة ثلاث شهور كاملة، إلى أن طالب الريحاني بزيادة أجره مرة ثالثة ولكن صاحب الملهي رفض.

 انتقل الريحاني إلى مسرح "الرينسانس" وكان صاحبه الخواجة "ديموكنجس"، فما كان من صاحب الملهي الأول الذي ظهرت عنده شخصية كشكش بك إلا أن رفع دعوى قضائية، يطالب فيها الريحاني بتعويض ألف جنيه باعتباره صاحب الملهي الذي ابتكر اسم كشكش بك، ولكن القاضي قضى برفض الدعوى وإلزام المسيو روزاتي بدفع مائة جنيه، بالإضافة إلى تسجيل اسم كشكش بك للريحاني كأول مبتكر له وأول مؤلف استعمله، وتألفت الفرقة من أمين صدقي، ونجيب الريحاني، واستيفان روستي وعبد اللطيف المصري، وأنضم إليهم عبد اللطيف جمجوم، وبالفعل بدأت البروفات الأولى في اختيار اسم للنص المسرحي الذي سيقدم على مسرح الرينسانس، واتفق أعضاء الفرقة على أن يكون الاسم أداة لإغاظة المسيو روزاتي الذي رفع الدعوى القضائية وسميت بـ "أبقى قابليني" وبهذه التسمية كانت بداية  لشكل جديد من الكوميديا وهو عبارة عن "التأويز والتريقة" على الغير واستعمال اصطلاحات وأمثال شتى ليذهب بها الخصوم إلى تفسيرها بأشكال عديدة.


بعد فترة تم اختيار اسم جديد لعرض مسرحي آخر وكان بعنوان "كشكش بك في باريس"، وأصبح اسم كشكش بك مشهورًا جدًا في القصور والميادين والأزقة والحواري والقرى في كل ربوع مصر، حتى جاء النص المسرحي الأخير بعنوان "وصية كشكش" ليسدل الستار على شخصية ابتكرها نجيب الريحاني، وأضاف عليها لتصبح حديث الناس لفترة طويلة.


الخميس، 18 نوفمبر 2021

علي الكسار.. المظلوم

 

المبدع علي الكسار


عماد خلاف

يأتي «علي الكسار» من بين رواد الكوميديا في الوطن العربي، وأحد الأوائل الذين أرسوا قواعد الضحكة على شفاه الملايين، ويُنسب إليه، ونجيب الريحاني، وشكوكو، وإسماعيل يس، وعبد المنعم مدبولي، وزينات صدقي، وغيرهم، أنهم أصحاب المدرسة الكوميدية الخالية من الاستظراف.

ولكن للأسف لم يحصل «علي الكسار» علي حقه حتي هذه اللحظة بأنه صاحب مدرسة كوميدية فريدة يقف بجانب نجيب الريحاني وفي بعض الأحيان يسبقه حيث ظل الأثنان ينافسان بعضها البعض علي مسارح القاهرة والأقاليم، وكلما ذكر المسرح يذكر نجيب الريحاني دون الألتفاف إلي عملاق من عمالقة الضحك علي الكسار الذي عاش ومات دون أن يعطيه أحد حقه، وعن هذا الجزء سوف نسترسل قريبا بحكايات تؤكد أن علي الكسار لا يقل عن نجيب الريحاني بل يسبقه ورغم النجومية التي عاش فيها لكنه مات فقيرا ومنسيا.

كان الكسار من بين الفنانين الكبار الذين لم يبخلوا على المجلات والصحف بمقالات يكتبون فيها ما يشاءون.

ومن بين الكنوز التي عثرتُ عليها، مقالًا لرائد الكوميديا علي الكسار في العدد الأول من مجلة «الكواكب»، وتحديدًا في 28 مارس 1932، وكان ثمن النسخة من المجلة 5 مليمات، وجاء بعنوان "كيف أُضحك الناس؟".

وعبّر الكسار في هذا المقال عن الكثير مما يجول في خاطره، راسمًا بقلمه الخطوات التي يجب أن يسير عليها الكوميديان حتى لو خرج على النص المكتوب، وفي بداية المقال يوضح الكيفية التي يعتمد عليها في رسم البسمة على الشفاه من خلال اعتماده، قبل كل شيء على حركات العينين «المييك»، في إضحاك الناس.

وحتى يبرهن على الكسار على صدق ما يقوله في المقال استرسل قائلًا: ولكي أبرهن لك على صحة ذلك، أرجو أن تتخيل ممثلًا يتكلم وهو يعطي ظهره إليك، هل تظن أنه يضحك أحدا مهما يكن ظريفًا وخفيف الظل في كلامه؟

                             

ويكشف الكسار في الجزء الثاني من المقال عن بداية تقمصه شخصية البربري قائلًا: ويرجع اختياري لشخصية البربري إلى عام 1916، إذ كنت أعمل قبل ذلك مع جورج دخول، الذي اخترع شخصية كامل الأصلي، وقد كان يعتمد في إضحاك الناس على اللهجة السورية التي كان يلقي بها كلماته؛ ولكن في ذلك العام كنت مشتركًا مع مصطفى أفندي أمين في العمل، وفكرنا في إخراج قصة عنوانها «حسن أبو علي سرق المعزة» فاخترت لنفسي شخصية «بربري» اعتقادًا مني بأن هذه الشخصية غنية يستطيع الممثل أن يجد فيها مجالًا واسعًا للعمل والابتكار، ولم يكن أحدٌ من الممثلين المصريين قد مثّل شخصية البربري قبل ذلك، فوجدت أنني أستطيع أن أستغل بلاهة «البربري» كعنصر أساسي من عناصر الإضحاك، كما أن هناك نواحٍ أخرى من هذه الشخصية لا تخيب في إضحاك الناس، ويكفي لذلك أن يعمد «البربري» إلى الخبث والمؤامرة برغم بلاهته وسذاجته، أو أن تشتد به ثورة الغضب لكرامته وتظهر «زربونته».

ويشير «الكسار» إلى إشادة الممثل الفرنسي الكبير دني دينيس به عندما زار مسرحي، قال: «إنني أمتاز وأنا أمثل على خشبة المسرح بأنني أشتغل في الوقت نفسه مع الجمهور الذي جاء يشاهدني، فأنا أحرص دائمًا على أن تكون الصلة بيني وبين الصالة قوية ومستمرة، فإذا اتضح لي أن الكلام الذي وضعه المؤلف على لساني لم يوفق في إضحاك الناس، فإنني لا أتردد في أن أرتجل ما أعتقد أنه يضحكهم من ذلك».

وضرب على ذلك مثالاُ: كنت أمثل رواية «أبو فصادة»، وكان علي أن أقول عن شخصية امرأة تعشق بل تعبد، وقد ظللت أكرر هذه الجملة في كل مرة أمثل فيها الرواية وأتفنن في تغيير ملامح وجهي ونبرات صوتي، وإشارات يدي لعلي أوفق في إضحاك الناس فكنت كل مرة لا أقابل إلا بالصمت صمتًا مؤلمًا.

ويسترسل الكسار في المقال قائلًا: وأخيرًا حدث بعد ذلك الموقف نفسه «فينيس»، وبدلًا من أن أكمل أنها امرأة تعشق بل تعبد قلت من عندي «فينيس فينيس النيس كونيس»، فضجت الصالة بالضحك الشديد، ومنذ تلك الليلة أضيفت هذه الجملة على دوري في رواية «أبو فصادة» بدلًا من الجملة التي وضعها المؤلف.

ويختتم الكسار المقال «وهكذا تراني أتحسس موضع الغبطة من نفس الجمهور، فأنا لمست هذا الموضع وطفقت أروي زناده حتى أبلغ من هذا الجمهور بغيتي التي هي نفس بغيته».


الخميس، 11 نوفمبر 2021

عزيز عيد وفهيم الفار ومحمد ناجي.. أول فرقة كوميدية مصرية

 

مسرح 



عماد خلاف

لم يكن أحد من المصريين يعرف المسرح الكوميدي بشكله المعتاد والتقليدي، وأول من أدخله الفرنسيون أثناء حملتهم على القاهرة، في أواخر القرن الثامن عشر، حيث أقام دار جيافل ناديا اجتماعيًا للجنود في أحد المنازل بالأزبكية بالقاهرة من أجل الترفيه عنهم، وبعد فترة تكونت جمعية للتمثيل من أعضاء النادي.

هذا المسرح أنشأه نابليون، بوجه البركة، مثلت فيه روايات باللغة الفرنسية ترفيهًا عن الجنود وتسلية لهم، إلى أن دُمر خلال ثورة القاهرة 1799، فأعاد الجنرال مينو بناءه من جديد وأطلق عليه اسم مسرح الجمهورية.

شهد هذا المسرح، مسرحيتين كوميديتين لفولتير وموليير في ديسمبر 1800، وفي يناير 1801 مثلت الجمعية أوبريت المحامي باتلان والطحانين تأليف بلزاك، وتلحين ريجيل، ويدور هذا الأوبريت حول حوادث كوميدية ممزوجة بالألحان الموسيقية، يفتعلها منافس في الحب للإيقاع بين حبيبين، وكان كل مشهد كوميدي ينتهي بأغنية مرحة؛ والجبرتي في كتابه «عجائب الأثار في التراجم والأخبار» نوه عن هذا العرض قائلًا: وفيه كمل المكان الذي أنشأه بالأزبكية عند المكان المعروف بباء الهواء، وهو المسمى في لغتهم بالكمدي، وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشرة ليال، ليلة واحدة، يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم، ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة»، واسترسل الجبرتي في وصفه لنصل إلى حقيقة أن عروض المسرح لم تكن مقتصرة على جنود الحملة الفرنسية بل كان يشاهدها نخبة من المصريين، وكانت العروض في معظمها عروضًا كوميدية موسيقية.

بعد ذلك أستولى الشوام على المسرح الكوميدي، إلى أن ظهر عزيز عيد وكون أول فرقة كوميدية، قبل ظهور نجيب الريحاني وعلي الكسار، ومع بداية عام 1906، وخلال عمله في فرقة إسكندر فرح، لمع اسم عزيز عيد من خلال دوره في مسرحية «الملك المتلاهي»، وخلال هذا العام ظهرت فرقتان فرنسيتان مثلت مسرحيات فودفيلية، على مسرح النوفتيه وحديقة الأزبكية، وبعد فترة تعرضت هذه المسرحيات وخصوصًا مسرحية ليلة الزفاف إلي هجوم من جريدة مصر الأسبوعية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، لما فيها من رذيلة وخروج عن الآداب العامة، ولأن الشوام، والفرنسيون كانوا مسيطرون على المسرح المصري، تأثر عزيز عيد بهذه العروض وقام بتمصيرها، وكون أول فرقة كوميدية مصرية في تاريخ المسرح المصري، بمساعدة سليمان الحداد، وبدأ عروضه بمسرحية فودفيلية بعنوان مباغتات الطلاق في عام 1907 بمسرح دار التمثيل العربي.

ثم توالت العروض لفرقة عزيز عيد على العديد من المسارح من بينها تياترو عباس بشارع قنطرة الدكة، ومسرح الحمراء وصالة الأعياد بالإسكندرية، ومن بين هذه العروض الكوميدية التي لاقت استحسان المشاهدين «ضربة مقرعة وكوميديا، والابن الخارق للطبيعة، والماسون، والملك يلهو، والزفاف عند الأفرنجي أو ليلة الزفاف».

حاول عزيز عيد إنقاذ فرقته الكوميدية الأولي بعد عزوف المشاهد عنها لاعتماده علي «الفودفيل»، الذي لم تستهوَ المشاهد المصري، ويقوم بعرض بعض المسرحيات المألوفة عند الجماهير، مثل مسرحية «الكابورال العجوز أو الإرث المغتصب»، ومسرحية «في سبيل الاستقلال»، ورغم ما فعله عزيز عيد امتنع الجمهور عن الحضور، وتوقفت الفرقة الأولى الكوميدية في تاريخ مصر، لينضم عزيز عيد مرة أخرى إلى فرقة سلامة حجازي، وبعدها إلى فرقة أولاد عكاشة، وفرقة جورج أبيض، ليعود ممثلا كما كان.

على الرغم من أن عام 1907 شهد أول ظهور فرقة كوميدية مصرية، ظهر معها أول ممثلين مصريين احترفوا تمثيل الفصول المضحكة، بعد أن كان حكرًا على الشوام وهما أحمد فهيم الفار، ومحمد ناجي، وكان الفار في بدايته يعرض فصوله المضحكة ضمن برنامج الفرق المسرحية الكبرى، ومع إقبال الجماهير على فصوله، أصبحت له حفلات خاصة يعرض فيها فصوله المضحكة، وتطورت هذه الفصول فيما بعد لتصبح مسرحيات كوميدية مرتجلة ذات ثلاثة فصول. الفار عرض هذه الفصول بمسرح شارع عبد العزيز وبكازينو المنظر الجميل بالإسكندرية، «دخول الفلاح العسكرية، والعجائب والغرائب، والشيخ المتصابي»، أما محمد ناجي فكان يقدم فصوله المضحكة في نهاية عروض مسرحيات الفرق والجمعيات التمثيلية أمثال فرقة سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة، وشركة التمثيل الكبرى، وجمعية التمثيل العصري، ومع ظهور فرقة عزيز عيد الكوميدية ظهرت بعدها فرقة الأخوين سليم وأمين عطا الله، التي ابتكرت أسلوبًا كوميديًا.

 ولم تكن فرقة عزيز عيد الكوميدية الوحيدة على الساحة، بل ظهرت بعدها فرقة الأخوين سليم وأمين عطا الله، التي ابتكرت أسلوبًا كوميديًا جديدًا، وهو تحويل فصول المسرحيات الكلاسيكية المشهورة إلى فصول مضحكة هزلية، كما ظهرت فرقة حسن كامل، التي قدمت مسرحيتي «معرض الزواج، والمستشفى» بنادي موظفي الحكومة المصرية.

وفي عام 1913 كون عزيز عيد مرة أخرى فرقة كوميدية، لتجول بالمحافظات، بدء بالمنيا، بمسرحية ليلة الزفاف، وأشار في إعلاناته عدم حضور السيدات والتلاميذ، فزاد الإقبال الجماهيري، بسبب هذا المنع، وبعد تمثيل المسرحية نشر أحد أعيان المنيا في الصحف، مقالا تحت عنوان حافظوا على الآداب، جاء فيه: لاحظ جميع من حضر التمثيل من الفضلاء، عدم لياقة تمثيل هذه الرواية في بلادنا، لما احتوت عليه من ضروب الخلاعة والأمور المخجلة المعيبة، وليس من حسن الذوق أن يشاهد الناس في اجتماعاتهم العمومية، خلاعة المرأة ونومها في سريرها بملابسها الشفافة، وخلع الرجل لملابسه ليهم بها وتقبليها مرارًا، نقول هذا لأن التمثيل إنما وجد لتهذيب الأخلاق وتقويمها؛ وعليه نطلب من جوق عزيز أفندي عيد عدم تمثيل هذه الرواية مرة أخرى، وبعد هذا الهجوم لم تستمر الفرقة طويلا فتوقفت عن عملها مرة ثانية، بعد عروض متفرقة لم تستغرق شهرين فقط، لتنتهي بعد ذلك أول فرقة مسرحية كوميدية في تاريخ مصر، لتبدأ بعدها ظهور العديد من الفرق ومعها الأسماء الكوميدية اللامعة كنجيب الريحاني وعلي الكسار، ولنا مع هؤلاء مجموعة من الطرائف والمواقف خلال الفترة القادمة.


السبت، 6 نوفمبر 2021

سهير رمزي تنقذ أمها من الموت

 

سهير رمزي ووالدتها


عماد خلاف

قطعة الآيس كريم الدافئة سهير رمزي الذي عشقها الجميع، ووقف أمامها المخرجين والمؤلفين مبهورين بإدائها البسيط والممتع، الفاتنة والدلوعة والمهندسة الجميلة التي تبحث عن شاب ليس له ماضي مع محمود عبد العزيز في فيلم "البنات عايزة إيه" والبنت الغلبانة المنكسرة التي دهستها الحياة مع عادل إمام في رائعة "حتي لا يطير الدخان"، 105 عمل فني تألقت فيها سهير رمزي.

في الجانب الأخر توجد حكايات من دفتر حياة سهير رمزي، عارضة الأزياء ومضيفة الطيران، بنت الفنانة درية أحمد الذي تقمصت شخصية خضرة الريفية الساذجة والطيبة معا في سلسلة من أفلام الكوميديا في الخمسينات.

 ومن الحكايات الجميلة التي تحكي عن قطعة الآيس كريم، سهير رمزي ماحدث لها أثناء سفرها إلي فرنسا، فهي البنوتة التي التحقت بمدرسة القلب المقدس، المدرسة الفرنسية التي تريرها الرهبات بمصر الجديدة، وقد اختارت لها أمها درية أحمد هذه المدرسة هذه المدرسة لقربها من البيت التي تقيم فيه الأسرة، بالإضافة إلي أن الأم أرادت لوحيدتها أن تتعلم لغة أجنبية تعينها علي تحقيق أحلامها وقد كان حلم سهير الأكبر أن تصبح مضيفة طيران، بل هي مارست هذه العمل فعلا فيما بعد، ولكن لفترة محدودة، فقد خشيت عليها أمها من حوادث الطيران.

وأثناء الدراسة كانت سهير تتفاهم مع زميلاتها ومدرستها بلغة بنات فرنسا، وبعد فترة قدمت استقالتها من العمل كمضيفة طيران، وبعد أن احترفت الفن سافرت بعد فترة طويلة إلي باريس في زيارة عمل مع شريكها وزوجها السابق رجل الأعمال سيد متولي، للاتفاق علي تأسيس الأستديو الخاص بشركتها واضطرتها ظروف التعاقد والتشاور للجوء إلي اللغة التي ركنتها في ذاكرتها، وأخرجت سهير رمزي اللغة الفرنسية من ركن النسيان، وبدأت تسترد طلاقتها السابقة، وتستعيد العبارات علي لسانها، وبكل بساطة انطلقت سهير في الكلام مع أحد المسئولين في فرنسا، ليسألها الرجل الفرنسي.

-من أي بلد من المغرب يا سيدتي؟

-لست مغربية بل أنا مصرية.

قال الرجل بدهشة

-مصرية وتتكلمين الفرنسية بهذا الأتقان.

ابتسمت وقالت:

-هل تجاملني

وأضاف الرجل:

بل هذا هو الواقع.

وأثناء وجود سهير رمزي في فرنسا مع والدتها أحست أمها بألم في كتفها مصحوبا بألام أخري في الصدر.

وسارعت سهير تحمل أمها إلي أقرب مستشفي.

وبعد عمل فحوصات لها قرر الطبيب أن يجري عملية جراحية لأمها، وتحدثت معه سهير رمزي بالفرنسية بطلاقة وفهمت منه كل شيء وبالفعل أجريت لها العملية، ونجحت العملية وجلست سهير بجوار أمها درية أحمد لتنظر لها بسعادة وتقول لها:

-الفضل لك في أنقاذي يا بنتي

وقالت سهير ضاحكة :

-الفضل لك أيضا في أنقاذي

وسألت الأم سهير ماذا تقصدين؟

ردت عليها سهير

-لولا أنك أدخلتني المدرسة الفرنسية لما أمكنني أن اتفاهم مع الأطباء.