الخميس، 30 سبتمبر 2021

تحية كاريوكا تنقذ رجل من الغرق




عماد خلاف 

ظلوا يهتفوا ضدها ويطالبوها بالنزول من علي المسرح، بعد أن رأوا رقصها سيء جدا، وزادوا من تصرفهم الغريب، ومزقوا بدلة الرقص الخاصة بها وطالبوها بعدم هز وسطها مرة ثانية، ساعتها قررت "بدوية تحية محمد علي النيداني كريم"، أو تحية كاريوكا،  المولوده في مدينة الإسماعيلية، أن تعتزل الرقص نهائيا لكن أصرار مدربها ومعلمها عليها، جعلها تعيد المرة ثانية ولكن بطريقة مختلفة عندما اختار لها رقصه جديدة بعنوان "كاريوكا".

ولقب كاريوكا يعود إلي إحدي الرقصات الموجودة في التراث البرازيلي، وكاريوكا تعني بالبرازيلية "بيت البيض" أو البيت الأبيض، والرقصة كانت في بدايتها جماعية لكن تحية أدخلت عليها الكثير وجعلتها تناسب الذوق المصري والعربي، وفي عام 1940 تألقت تحية كاريوكا مع الرقصة الجديدة، لتبدأ حياة جديدة مع النجومية والشهرة.

ومن بين المواقف التي لا تنسي في تاريخ الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا ما حدث لها عندما كانت في عطلة بمدينة السويس ومعروف عنها أنها سباحة ماهرة لتنقذ أب وولديه من الغرق

من المعروف عن الفنانة الرائعة تحية كاريوكا أنها سباحة ماهرة، وتحب الاصطياف في مدينة السويس كل عام، وحدث أن ذهبت إلي هناك في عطلة قصيرة وأرادت أن تسبح، وما كادت تقفز إلي الماء حتي سمعت صوت استغاثة، ولم يكن هناك أحد من عمال الأنقاذ ليرد علي هذه الاستغاثة، وعندئذ أسرعت تحية كاريوكا إلي مصرد الصوت فوجدت رجلا يحمل ولديه الصغيرين وهو يحاول أن ينقذهما من الغرق وينقذ كذلك نفسه علي غير جدوي.

فبادرت تحية كاريوكا إلي نجدته، وأقتربت من الرجل، غير أنها وجدت أن قواه قد خارت وأحست أن شبح الموت يقترب من الرجل وولديه، وكان أن حملت الطفلين علي ظهرها وراحت تدفع الرجل بيديها، وكادت تصل بهم إلي الشاطيء، لولا مرور النش، بجوارها فتولي عنها انتشال الرجل وولديه وانتشالها معهم إلي الشاطيء.

190 عمل فني شاركت فيهم تحية كاريوكا، ومع عام 1942 كان أول ظهور لها بالسينما في فيلم "أحب الغلط" وبعدها توالت الأعمال السينمائية، فمنذ أن جاءت إلي الدينا في 22 فبراير 1915إلي 20 سبتمبر 1999 ظلت تحية كاريوكا تستحوذ علي قلوب وعقول الملايين في مصر والوطن العربي.

الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

عندما ثار المصريون على «الفودفيل» الخليع

 

عزيز عيد 


عماد خلاف

فى الربع الأول من القرن العشرين، بدأت محاولات جادة من بعض الممثلين الكوميديان الذين ظلوا منسيين، وللأسف لم يحظوا بالشهرة الواسعة ولم يذكروا إلا فى المراجع التاريخية التى تؤرخ للمسرح الكوميدى فى مصر، فهم من أسسوا ورسخوا لفن الكوميديا أمثال أحمد فهمى الفار ومحمد ناجى وسلامة القط وحافظ ليمون ومحمد كمال المصرى شرفنطح وسيد قشطة، قبل ظهور على الكسار ونجيب الريحانى وفوزى الجزايرلى وإسماعيل يس وشكوكو وغيرهم ممن يعرفهم الكثير.

 ولم يكن أحد يعرف المسرح الكوميدى بشكله المعتاد إلا مع الحملة الفرنسية، واقتصر عليهم إلى أن ظهر الشوام، ومع بداية عام 1906 لمع اسم عزيز عيد وكون أول فرقة كوميدية ليبدأ معها أول هجوم صحفى فى تاريخ المسرح بسبب تمثيل «الفودفيل»، ولمن لا يعرفه «فأن كلمة الفودفيل كلمة مركبة من فودى فير، أى وادى فير، وفير هذه قرية فى شمال فرنسا، وكان أهلها يتغنون فيما يتغنون بمقطوعات من الشعر قصيرة، تشتمل على تهكم وسخرية بالناس، وقد انتشر هذه الصنف من الشعر فى فرنسا، حتى تسرب إلى المسارح واختلط بالكوميدية، وفى أواخر القرن التاسع عشر وأوئل القرن العشرين، أصبح الفودفيل جنسًا دراميًا يصور موضوعات معينة كالمغامرة، ومواقف الخيانة الزوجية، والحب غير الشرعى، ولتأثر عزيز عيد بالفرق الفرنسية قام بتمصير بعض المسرحيات، وبدأ عروضه بمسرحية فودفيلية بعنوان «مباغتات الطلاق» بمسرح دار التمثيل العربى.

ثم توالت العروض لفرقة عزيز عيد على العديد من المسارح، من بينها تياترو عباس بشارع قنطرة الدكة، ومسرح الحمراء وصالة الأعياد بالإسكندرية، ومن بين هذه العروض الكوميدية «ضربة مقرعة وكوميديا، والابن الخارق للطبيعة، والماسون، والملك يلهو، والزفاف عند الإفرنجى أو ليلة الزفاف».

حاول عزيز عيد إنقاذ فرقته الكوميدية الأولى بعد عزوف المشاهد عنها، لاعتماده على «الفودفيل» الذى لم تستهوَ المشاهد المصرى، ويقوم بعرض بعض المسرحيات المألوفة عند الجماهير، مثل مسرحية «الكابورال العجوز أو الإرث المغتصب»، ومسرحية «فى سبيل الاستقلال»، ورغم ما فعله عزيز عيد امتنع الجمهور عن الحضور، وتوقفت الفرقة الأولى الكوميدية فى تاريخ مصر، لينضم عزيز عيد مرة أخرى إلى فرقة سلامة حجازى، وبعدها إلى فرقة أولاد عكاشة، وفرقة جورج أبيض، ليعود ممثلًا كما كان.

وفى عام 1913 عاد عزيز عيد مرة أخرى وكون فرقة كوميدية، لتتجول بالمحافظات، وبدأها بالمنيا، بمسرحية ليلة الزفاف، وأشار فى إعلاناته عدم حضور السيدات والتلاميذ، فزاد الإقبال الجماهيرى بسبب هذا المنع، وبعد تمثيل المسرحية نشر أحد أعيان المنيا فى الصحف مقالًا تحت عنوان حافظوا على الآداب، جاء فيه: "لاحظ جميع من حضر التمثيل من الفضلاء عدم لياقة تمثيل هذه الرواية فى بلادنا، لما احتوت عليه من ضروب الخلاعة والأمور المخجلة المعيبة، وليس من حسن الذوق أن يشاهد الناس فى اجتماعاتهم العمومية خلاعة المرأة ونومها فى سريرها بملابسها الشفافة، وخلع الرجل لملابسه ليهم بها وتقبليها مرارًا، نقول هذا لأن التمثيل إنما وجد لتهذيب الأخلاق وتقويمها، وعليه نطلب من جوق عزيز أفندى عيد عدم تمثيل هذه الرواية مرة أخرى، وبعد هذا الهجوم لم تستمر الفرقة طويلًا فتوقفت عن عملها مرة ثانية، بعد عروض متفرقة لم تستغرق سوى شهرين فقط".

إصرار عزيز عيد جعله يفكر مرة ثالثة، ورغم حالة الهياج والرفض التى صاحبت العروض المسرحية لعزيز عيد، إلا أنه لم يتراجع وأصر على العودة  فى عام 1915 وكون فرقة كوميدية ضمت نجيب الريحانى فى بداية حياته، وروز اليوسف، التى لقبت حينها بالفودفيلية، مستغلا اضطراب الأحوال الاجتماعية والسياسية المصرية بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى، وكثرة وجود الجنود الأجانب فى شوارع القاهرة، ومن هذه المسرحيات خلى بالك من إميلى، ياستى ما تمشيش كده عريانة، ليلة الزفاف، عندك حاجة تبلغ عنها، مدموزيل جوزيت مراتى، المشعوذ بالفجور، حماتان على راجل واحد، وظلت هذه المسرحيات تعرض حتى فبراير 1916، إلى أن شاهدتها فتاة فأرسلت خطابًا إلى جريدة المنبر هاجمت فيه أضرار العروض الفودفيلية على الأخلاق والعادات والتقاليد العربية والمصرية، فاستغلت الجريدة هذا الخطاب لتقيم هجومًا صحافيًا على فرقة عزيز عيد وعروضها الماجنة، حيث خصصت بابًا ثابتًا لنشر هذا الخطاب، أطلقت عليه الباب المطلق، وحثت القراء والمعنيين بالأمر للرد عليه.

 توالت الردود المختلفة بين مؤيد ومعارض على الصحف، حتى أصبحت قضية رأى عام، وانضمت جريدة الوطن إلى الحملة على الفودفيل ومضاره، وانتقلت القضية من الجدل الصحفى إلى المقاطعة الجماهيرية وإحداث الشغب، حيث قام طلاب الجامعة المصرية بإحداث صخب وضجيج أثناء عرض مسرحيات عزيز عيد بمسرح برنتانيا، ما تسبب فى إيقافها، وعندما تركت الفرقة العاصمة، وحاولت عرض مسرحياتها الفودفيلية فى منيا القمح، أمر مأمور مركز بإنزال الستار على الفودفيل الخاص بعزيز عيد الذى استسلم أخيرًا وبصورة رسمية، من خلال اعتذار نشره فى جريدة المقطم وجهه إلى ميخائيل أرمانيوس، قال فيه: "الآن أمد يدى إليك مصافحًا وشاكرا، أما مصافحا فعلى إساءتى التى قابلت بها إحسان جريدة الوطن وجميلها وأما شاكرًا فعلى ما نشرته من النصائح التى أيقظت روحى من غفلتها قبل أن أقذف بها إلى الهوة العميقة التى كدت أسقط فيها من جراء تمثيل الفودفيل الخليع، حقًا لا تعاند العين سهمًا إلا وتفقع، ولا تناضل اليد سيفًا إلا وتقطع".


حكايتها مع الشقاوة.. نادية لطفي بدأت حياتها راقصة

 



عماد خلاف

تاريخ نادية لطفي مع الشقاوة مليء بالحكايات التي ترويها بنفسها، وتحديدا مع بداية الفنية، قبل أن تحترف الفن وتصبح النجمة التي تربعت علي النجومية والشهرة لفترة طويلة، ومن بين الحكايات التي ترويها الفنانة نادية لطفي مع حدث لها في بدايتها.

حيث تقول: لا أستطيع أن أضع لهواياتي الفنية تاريخا، لقد بدأت أرقص الرقص التوقيعي منذ أن كنت صغيرة في أولي سنوات الدراسة، وقد لا يعرف الكثيرون أني بدأت حياتي الدراسية في مدرسة ألمانية، ثم هجرتها إلي مدرسة فرنسية، ثم انتهي بي المطاف إلي مدرسة مصرية، ظللت أتم بها تعليمي حتي تزوجت وأقمت مع زوجي في الإسكندرية بصفة مستديمة، وانجبت طفلي الوحيد الذي اعتبره أملي في الحياة.

وتستكمل نادية لطفي حكايتها مع الشقاوة قائلة: ولأيام طفولتي ذكريات ضاحكة، منها ما حدث لي في المدرسة عندما ذهبت إلي المدرسة متأخرة واستقبلتني المدرسة المكلفة بتسجيل أسماء التلميذات المتأخرات، ووجهت لي كلاما قاسيا اعتبرته أهانة لي، وثارت أعصابي وفوجئت بأنني أقفز عليها وأطرحها أرضا وأشبعها ركلا ولكما في سرعة أذهلتها وسبلتها قدرة التصرف أو المقاومة.

وقامت الدينا في المدرسة وقعدت، وجاء والدي وحققوا معي بتهمة الاعتداء علي مدرسة من مدرساتي، ويومها أصرت مديرة المدرسة علي أن تعرف كيف تعاملت بهذه الطريقة وضرب المدرسة بهذا الشكل، وضحكت وظللت أضحك طويلا، وأنا لا أجرؤ علي التصريح بأنني من هواة أفلام رعاة البقر، وأن لهذا النوع من الأفلام كل الفضل في أجادتي للعراك.

وانتهزت مرة فرصة خروج والدتي لزيارة بعض المعارف، ودخلت حجرتها ووقفت أمام التسريحة وأخذت "الملقاط" ومضيت أحاول تهذيب حاجبي، وكانت النتيجة أني اقتلعت شعر حاجبي كله، وأفزعني ماحدث، وخشيت غضب أمي، وتناولت قطعة مشمع طبي من صندوق الأسعاف المعلق في الردهة، وأخفيت بها مكان حاجبي وأدعيت أمام أمي عندما استفسرت عن سر وجود المشمع علي حاجبي، أدعيت أن "دمل" قد ظهر فجأة ولكن هذا الأدعاء لم يصدق وكانت النتيجة أن أهدتني أمي علقة لا تنسي.

وتعترف نادية لطفي أنها كانت شقية جدا في طفولتها، علي أن هواياتي كانت عبارة عن الشقاوة، فأنا أجيد مثلا السباحة وركوب الدراجات وقيادة السيارات وقد أجدت قيادة السيارات وأنا في الرابعة عشرة.

ولي هواية أخري أكثر اتصالا بالفن وهي جمع المعلومات الفنية من مصادرها العديدة، بل أنني أكاد أكون الوحيدة التي تملك ألبوما مصورا لكل نجوم مصر وأنا أن انفق وقتا طويلا في تنسيق هذا الألبوم فهو عزيز علي نفسي جدا.


الأحد، 19 سبتمبر 2021

المخرج حلمي رفله حاول الانتحار في فيلا يوسف وهبي

 



عماد خلاف

ما بين الإخراج والتأليف والإنتاج تنقل المخرج الكبير حلمي رفله لتصل مجمل أعماله 80 عمل درامي، وراح يتألق في كل مجال عمل به، حيث أرسلته وزارة المعارف في بعثه إلي لندن وباريس في عام 1936 لدراسة فن المكياج، فدرس الإخراج أيضا، وعند عودته عين ماكييراً في الفرقة القومية المسرحية، ثم اتجه إلي السينما وعمل مساعد مخرج منذ عام 1942، بالإضافة إلي أنه عمل المكياج لأم كلثوم في جميع أفلامها.

وعندما علم طلعت باشا حرب بعودته إلي القاهرة في المرة الأولي ألحقه بالعمل مساعدا لبعض الأجانب الذين استقدمهم طلعت باشا من أوربا للعمل بأستديو مصر في جميع التخصصات السينمائية، لكنه عاد مرة أخري إلي فرنسا لدراسة فن المكياج.

ومن بين المواقف الطريقة التي يرويها مخرجنا الكبير حلمي رفله، عندما سافر إلي فرنسا، ولم يجد مكان يقيم فيه، سوي فيلا الممثل الكبير يوسف وهبي، وبالفعل اتجه إليه وراح يبيت ليلته هناك لتحدث المفاجأة التي ظلت تلاحقه طيلة حياته.

سافرت إلي باريس لأستجم وأري الدنيا وأنسي متاعب عملنا الشاق الذي لا يرحم، وعلي عادتي وقعت بوليصة تأمين علي الحياة من نوع خاص يستمر مدة السفر، ويكون لأولادي من بعدي، لا قدر الله، إن يحصلوا علي مبلغ عشرين ألف جنيه، من شركة التأمين إذا حدث أي حادث في الطريق، وأودي هذا الحادث بحياتي.

وبحثت عن حجرة في فندق فلم أجد، وبحثت عن غرفة في بنسيون ولكنها كانت عزيزة المنال، وكان معي عنوان صديقي الأستاذ يوسف وهبي، وأقبل الليل علي، وأنا أدور بالتاكسي في الشوارع وبين مكاتب التأجير فلا أجد مكانا للمبيت، وهنا فضلت أن أذهب إلي الفيلا التي يستأجرها يوسف لأبيت سواد الليل ثم أستأنف البحث في الصباح، وكان في هذا نوع من الضيافة المفروضة، ولكن الذي هونه علي أن الكلفة بيني وبين يوسف مرفوعة تماما، وأن السيدة الفاضلة زوجته تعاملني معاملة طيبة كشقيق صغير يستحق العطف.

وأما أن وصلت حتي استقبلوني يوسف وزوجته وابنته، بحفاوه وترحاب، وأعدت السيدة زوجة يوسف وهبي مائدة العشاء وهي عادة من طعام خفيف لأن يوسف لا يحث الأكثار من الطعام في الليل، والطعام الخفيف عند يوسف وهبي هو سلطة واللبن الزبادي، وقد انصرف الخادم الذي يحضر لهم الأشياء من السوق، ولهذا اعتذرت لي السيدة المضيفة بأن العشاء لا يليق بي.

ثم قالت: وعلي كل حال يا حلمي ما تنساش أن اللبن الزبادي خفيف علي المعدة، وأنا أنصحك أنك تخليه دايما عشاك علشان تخس.

وكان لي رأي أخر في اللبن الزبادي، رأي تكون من عنده تجارب، فأنني لا أكاد آكله حتي أحس بانتفاخ في بطني، ويخيل إلي أن أمعائي قد صارت قربة محملة بالماء، ولكنني رأيت من الجليطة وقلة الذوق، بل والجحود، أن أتمرد علي ما يقدمون لي من طعام وأن أحرجهم وكنت جائعا، ونزولا علي الأداب التي يجب أن يتحلي بها الضيف أقبلت علي اللبن ونتاولت عشائي منه، وقمت بعد ذلك علي فراشي مباشرة، وما أن أطفأت النور حتي تسلل إلي عيني ولم أعد أحس شيئا حولي.

ويستكمل حلمي رفله حكايته من باريس، قائلا: ولست أدري كم مضي علي في نومي الهادئ العميق، غير أنني أحسست فجأة بشيء ثقيل يطبق علي أنفاسي ويجثم علي صدري ويطوق رقبتي، وحاولت أن أتحرك فلم استطع وحاولت أن أرفع يدي لأضيء النور، فلم أقدر، ٍبل حاولت أن أصرخ فوجدت لساني مشدودا إلي حلقي، أما أمعائي فقد حدث فيها الانتفاخ المعتاد واستولي علي شعور غريب بأنني أقترب من الموت، ولم أكن أعلم هل أنا في يقظة أم في غيبوبة، وإذا كنت في يقظة فلماذا لا أقفز من فراشي لأفر من هذا الشيء الثقيل الذي يكاد يقلتني قتلا، وإذا كنت في غيبوبة فكيف أفكر هكذا، ثم مالذي دفع خاطر الموت إلي رأسي؟.

وفجأة تذكرت أولادي، والتأمين الذي وقعت علي وثيقة قبل أن أغادر القاهرة، أن الشرط الذي تعلق عليه أخذهم لمبلغ التأمين، العشرين ألف جنيه، هو أن الموت في حادث ما، أما الأن فهانذا أموت علي فراشي، أموت في سلام وبلا إصابات أي أن أولادي لن ينالوا شيئا، فأذا لم يكن من الموت بد، فمن العجز أن أكون جبانا.

نعم لن أكون جبانا، نعم لن أكون جبانا، سأموت بالطريقة التي تعجبني سأموت بالشكل الذي يعطي لأولادي الحق في قبض المبلغن أنني ميت ميت، فلماذا أجعلها ميتة وخراب ديار كما يقولون؟، لتكن ميته فقط، أما العشرون ألف جنيه، فستفتح البيت من بعدي.

وتابع حلمي رفله حكايته مع الغيبوبة التي عاشها في فيلا يوسف وهبي، قائلا: وخواطر أخري غريبة تفاقمت إلي رأسي وأنا مستلق علي فراشي، ثم سيطر علي أن أختار طريقة الموت بنفسي، فقفزت من فراشي واتجهت إلي النافذة لألقي بنفسي منها.

شيء واحد ردني من هذا الجنون الذي أقدمت عليه، أن النافذة مغلقة، ولم أنم ليلتها، فقد عدت إلي الفراش وأنا أصلي لله أنه جل جلاله، أنقذني ومد في أجلي من أجل أولادي وزوجتي.

وفي الصباح رويت لصديقي يوسف وهبي ما حدث لي، وأفهمته أنني لا أحب اللبن الزبادي لهذا السبب، لأنه يقلب نومي الهادئ إلي أحلام مزعجة، وكانت أحلامي هذه مثار ضحكهم ودعابتهم طيلة اليوم، وعرفت منهم أن ماحدث لي هو مايسمي بالكابوس، وليس سببه اللبن كما أتوهم بل سببه أنني لجأت إلي الفراش بعد الأكل مباشرة.

المخرج الكبير حلمي رفله قام بعمل أول مكياج في فيلم يحيا الحب في عام 1938، من إخراج محمد كريم، ثم انتقل للعمل بالإخراج وكون شركة إنتاج مع أحمد بدرخان وعبده نصر‏، وقام بإخراج أول فيلم له "العقل في إجازة" عام1947.

كما قام بتأليف حب وجنون"،"المجنونة"، "آه من الرجالة"، "ابن للإيجار"، "عاشق الروح"، "هدى ".

كما تألق في إخراج "حماتي قنبلة ذرية "، "فاطمة وماريكا وراشيل"، "المظ وعبده الحامولي"، "فتي احلامي"، "معبودة الجماهير"، "الوفاء العظيم"، "نساء في المدينة"، "لا يا من كنت حبيبي"، "النشالة".

وعمل المكياج لأفلام "غرام بدوية"، "لست ملاكًا"، "رصاصة في القلب"، "نورالدين والبحارة الثلاثة"، "تحيا الستات"، "ليلي بنت الريف"، وأنتج "نساء الليل"، "نادية - شفيقة القبطية"، "المماليك"، "نهر الحب"، "إحنا التلامذة"، "شاطيء الأسرار"، "امرأة في الطريق".

كما اكتشف العديد من النجوم من بينهم محمد فوزي وشادية ومديحة يسري، ورحل عن دنيانا عندما كان المخرج حلمي رفله في طريقة من ليون إلى باريس لمعاينة أماكن تصوير فيلمه عن قصة حياة "توفيق الحكيم" وافته المنية في باريس ورحل في 22 أبريل عام 1978.


فاتن حمامة طردت الموسيقار محمد عبد الوهاب من الأستديو.. وأحبت المعلم كريم

 



عماد خلاف

لازالت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، أيقونة الحب والشموخ والكبرياء وعزة النفس، ما بين الفلاحة في فيلم الحرام، وترديدها "جدر البطاطا هو السبب" مأساة فلاحة بسيطة خرجت مع عمال التراحيل بعد أن شلت حركة زوجها بسبب مرض البلهارسيا، تتنقل فاتن حمامة في هذا الفيلم الذي إخرجه هنري بركات، ما بين اليأس والأحباط وإلتقاط بسمة تترسم علي الشفاه المحبطة، حكاية رسمها ونسج خيوطها وألفها المبدع يوسف إدريس، ليتم ترشيح الفيلم لنيل جائزة السعفة الذهبية لمهرجان "كان" السينمائي في فرنسا عام 1965، كما يحصل الفيلم علي المركز الخامس ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء النقاد.

يكفيها هذا الفيلم فاتن حمامة حتي تجلس متربعة علي عرش السينما العربية والمصرية، هي البنوتة الصغيرة التي جاءت من المنصورة إلي القاهرة، يملأها الأمل والحلم في أن تكون ممثلة بعد أن شاهدت فيلم لآسيا، وبعد أن نزلت كلمة النهاية علي تتر الفيلم، رأت التصفيق الحار من المشاهدين في السينما، من ساعتها حلمت أن تكون ممثلة، ليساعدها والدها الموظف في وزارة المعارف،  ويقرأ خبر في الصحف عن احتياج المخرج محمد كريم،  لطفلة لكي تقوم بدور أمام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، لتبدأ السيدة الذي حيرت ملايين المشاهدين بأدورها المتعددة، أول مشاهدها في السينما.

111 فيلم هو تاريخ فاتن حمامة في الإبداع السينمائي، تتنقل ما بين شخصية وأخري، ومن ضمن الحكايات التي ترويها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، بدايتها مع معشوقة الملايين السينما، وحكايتها مع المخرج الكبير محمد كريم، ومحمد عبد الوهاب في بداية حياتها عندما أخذها والدها إلي القاهرة لتبدأ رحلة النجومية والتألق والإبداع.

تروي فاتن حمامة حكايتها مع السينما وأول أدورها، قائلة: قابلت المخرج محمد كريم  أنا ووالدي الذي وقع معي بعد اختبار كقصير عقدا للقيام بدور أنيسة في فيلم "يوم سعيد".

وبدأت أتردد علي مكتب محمد عبد الوهاب كل يوم، ليقوم المخرج محمد كريم بتدريبي علي التمثيل والوقوف أمام الكاميرا، كنت أستيقط كل صباح فأجلس علي سريري الصغير وأقول لأبي: بابا أحنا مش رايحين عند المعلم كريم النهاردة، وكان أبي يضحك عليا ويقول لي: المعلم.. طبعا.

هكذا صور لي خيالي مخرجي الأول، صور لي معلما فقد كان المعلم أو المدرس أقرب الشخصيات إلي نفسي بعد والدي، والطفل عادة لا بيتعد كثيرا في تشبيهاته وتصويره البدائي للأمور عن المحيط الذي يعيش فيه، ومن هنا كان مخرجي الأول في نظري معلما.

وكان كريم يستقبلني علي الرغم مما اشتهر به من عصيبة بابتسامة مشرقة وكنت أري علي مكتبه دائما عشرات الهدايا وقطع الشيكولاته الكبيرة، وكانت هذه الهدايا وقطع الشيكولاته، وعودا صامتة من المخرج ونداء لللإجادة، فكنت كلما اتقنت مشهدا من المشاهد حصلت علي أحداها.

وتستكمل فاتن حمامة حكايتها مع البداية، قائلة: وقد عرفت فيما بعد أن دور أنيسة لم يكن بالصورة التي ظهر عليها في الفيلم، كان دورا ثانويا قصير لا يتطلب ظهور صاحبته علي الشاشة أكثر من دقائق قصار، ولكن كريم أزاء ما رأه مني ومقدرة ولمسه من موهبة، وهذا كلامه أنقله بأمانة وبلا غرور، رأي أن يعيد كتابة القصة في كل ما يختص بدوري، وقد أقنعني التغيير في الدور وأدخل تعديل كبير علي السيناريو بأكمله، كما استعان المخرج بثلاثة من كبار كتاب الحوار ليضعوا للطفلة الصغيرة حواارا يلائم سنها.

كنت الزائرة اليومية الوحيدة لمكتب عبد الوهاب، كما كان كريم هو الوحيد الذي التقي به هناك، ولكني لاحظت في أحد الأيام وجها أخر غير كريم، وجها أحمر صاحبته ممتلئة الجسد تتكلم بطلاقة لغة لا أفهمها، ويوافقها كريم علي حديثها بزات من رأسه، وقد وقفت الزائرة تتأملني طويلا ثم أمسكت ورقة وقلما وراحت ترسم خطوطا سريعة، وبعد انتهت من الرسم غرضته علي كريم فأدخل عليه بعض التعديلات.

وبالرغم من أن زيارة السيدة الغريبة أثارت فضولي إلا أنني لم أسال ممكن تكون، أو ماذا كانت تريد، وعرفت فيما بعد أن هذه السيدة لم تكن إلا حالكة ثياب الممثلات، وقد جاءت يومها لتصمم لي ملابس الفيلم.

وتابعت فاتن حمامة حكايتها مع السينما، جاءوا لي بضع جلابيب من النوع الريفي ذي الألوان الزاهية، ورفضت بشدة أن ارتديها وصحت قائلة: مش ممكن ألبس زي دادة نفوسة.

وقد حاول والدي ومحمد كريم، إقناعي بكل الحيل بلبس جلابية نفوسة كما اسمتميتها وقد أحضر لي ثياب جديدة وقبل أن ألبسها ألبس الجلالبيب في الفيلم، ووافقت.

ودبأ العمل في الفيلم دخلت الأستديو لأول مرة، وقولت لموسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب، بصوت عالي، :أنت راح تشتغل كويس وإلا نجيب غيرك.

ولم يضحك عبد الوهاب وحده وأنما ضج الجميع معه بالضحك كل من في البلاتوه ووقفت أنا في دهشة من تصرفهم أسال نفسي: اشمعني المعلم كريم يطرد الممثلين ويجيب غيرهم وأنا لأ.

حكاية صباح مع القهوة بالشطة وابنتها هويدا

 



عماد خلاف

هناك الكثير من المواقف التي تحدثت عنها المطربة والممثلة صباح في المجلات الفنية القديمة ومن بين الحكايات التي روتها المطربة عن نفسها ما حدث لها عندما غنت أغنية "حبيبه أمها" قالت: انها لم تكن تدري أن أغنية حبيبة أمها ستحدث كل هذه الضجة في منزلي، وكنت اعتقد أنها كأي أغنية ستمر بسلام، وحتي لو أحدثت ضجة أو لاقت شهرة ففي خارج جدران عشن السعيد، لكن "هويدا" أشعلت في البيت نارا علي رأي الأستاذ عبد الوهاب، وطلبت فريد الأطرش وحذرته أن أنا غنيت لأحد سواها فستخاصمه لأنه صاحب اللحن، وستقاطع صوته الذي تحبه، وطلبت حسن رمزي مخرج الفيلم الذي سأغني فيه الأغنية واستحلفته بغلاوتها عنده أن يحذف الأغنية من الفيلم "علشان ماما مغنيهاش للبنت اللي في الفيلم" وطلبت جلال معوض وأنذرته أن هو تركني أغني الأغنية بدون ذكر اسمها فستخاصمه هو أيضا، ولما يزورنا هو مش هتقعد معاهم وجلسنا أن وزوجي "أحمد" أمام حبيبة أمها فحاول أقناعها بأن هذا الغناء لها وحدها وحكاية الفيلم تمثيل في تمثيل، ولكن بدون جدوي.

واقترب منها أحمد وهمس في أذنها:

-إيه رأيك نخليها تقول "دي حبيبة أونكلها"

وبعد شد وجذب بين صباح وأبنتها هويدا وعدتها أن أول حفلة قادمة أن شاء الله سأهدي الأغنية إليها وسوف تقول:

دي هويدا بحبها، دي حبيبة أمها بلدلا من

يا أخواتي بحبها دي حبيبة أمها.

كما روت صباح حكاية أخري قالتها فيها تحت عنوان "سذاجة" تأخذي علي الريق فنجان قهوة بالشطة، وكذلك قبل النوم، صاحبتنا المغنية الجديدة التي تقف علي عتبة الأضواء، وأنا السبب أو لعل سذاجتها هي السبب، فقد جاءتني بعد أن غنيت "دي حبيبة أمها وسألتني عن كيفية غناء بحبها وأمها وكيف أنطق الهاء وسر البحة التي تصبحها 1لت لها دي موهبة وهي من مميزات صوتي وحنجرتي، فلم تصدق، ما قولته لها ورجعت قولت لها لما تعودي إلي المنزل أقعدي وكرر حرف الهاء طول الوقت، وغنيه عدة مرات.

وفي اليوم التالي عادت لتقول لي بأسي أنها أخذت تغني الهاء إلي ساعة متأخرة من الليل وأيضا مفيش فايدة وقالت لي لن تستريح إلا أذا تعلمت كيف تغني البحة التي تصحب الهاء.

وتستكمل صباح الحكاية مؤكدة أنها نظرت إليها في إشفاق ولكن بعد فترة حضرني شيطان خبيث وانتحيت بها جانبا بعيدا ووأصفت لها حكاية فنجان القهوة بالشطة وأخذت أزين لها هذه الوصفة السحرية والتي لها مفعول السحر وشددت لها إلا تبوح بهذا لأحد.

وفي اليوم الثالث رأيتها في ملبس ولما رأتني جريت عليه وقالت:

-دي الشطة لهلبت بقي يا صباح وصوتي زي ما هو وإيه العمل؟

وابتسمت وقلت لها هو من مرة واحدة دا أنتي لازم تشربي هذه الوصفة لمدة شهر علي الأقل.

ومر حتي الأن أسبوعان وهي ما زالت تعتقد أن الصوت سوف يتعدل مع أن حلاوة الصوت موهبة وأنه مهما تفعل فلن يتغير صوتها.


الموسيقار زكريا أحمد يروي حكايته مع أم كلثوم عندما كان عمرها 15 عام

 



عماد خلاف

 نشر الموسيقار الكبير زكريا أحمد مذكراته علي صفحات مجلة الكواكب الفنية مؤكدا أن هذه الصفحات من مذكراتي وعن أهل الفن أكتبها للذكري والتاريخ، وقد تردد الموسيقار في نشرها خشية إلا يتسع صدر الفنانين لبعض ما جاء بها من ذكريات الماضي، ولكن الموسيقار قرر في النهاية أن ينشرها علي حلقات في المجلة حتي لا تضيع لأنها جزء لا يتجزءا من تاريخ الفن وبدأ زكريا أحمد حكايته الأولي عن كوكب الشرق أم كلثوم، وكيف تقابل معها عندما كانت في بدايتها.

يقول زكريا أحمد في مذكراته: عندما أعود بذكراتي إلي الوراء وأستعين بمفكراتي القديمة التي أحتفظ بها أجد أنني لم أسمع باسم أم كلثوم قبل عام 1920 ففي ذلك العام دعيت لإحياء شهر رمضان عند أحد تجار السنبلاوين وكان يدعي علي أبو العينين وقد عرفني به المرحوم الشيخ أبو العلا محمد الموسيقي المعروف ومحمد عمر عازف القانون، وقد أتفق معي التاجر المذكور علي أجر مناسب بشرط أن أغني بعد أنتهائي من تلاوة القرأن الكريم.

وذهبت للسنبلاوين وبدأ شهر رمضان وسهرات رمضان وقبل مضي أسبوع حضر المرحوم محمد عمر القانونجي في أحدي الليالي، وبدأنا في أحياء حفلات غنائية، أنا بصوتي مع العود وهو يصاحبني بالقانون، وفي أحدي الليالي أخبروني بأنهم أعدوا لي مفاجأة عظيمة، فأنهم اكتشفوا في بلدة مجاورة أجمل صوت سمعوه.

وانتظرت فحضرت فتاة صغيرة تلبس العقال العربي وتتعثر في خطواتها الحجلة ومعها أخوها وهو شاب يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ولا أدري السر الذي جذبني نحو هذه الفتاة وجعلني أؤمن بأنها لابد صاحبة هذا الصوت العجيب بالرغم من أن أخاها الشيخ خالد كان يتقدمها في المشي بل ويكاد يقود حركاتها.

وبدأت أحادثها فراعني ذكاؤها الخارق بالنسبة لسنها التي لم تكن تتعدي الخامسة عشرة وأعجبني أيضا خفة دمها وروحها، وهي لم تفارق أم كلثوم إلي الأن، وأن كانت وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية.

وأخيرا طلبت منها أن تغني فغنت وأبدعت وروت وأشبعت كما يقول أهل الأدب، ومنذ ليلتها وأنا أصم لا أسمع إلا صوتها، أبكم لا أتحدث إلا باسمها فقد أصبحت مفتونا بها وأقول مفتونا لأنني أحببتها حب الفنان للحن خالد تمني العثور عليه دهرا طويلا، وتشجعت وألححت عليها في الرجاء أن تزورني دائما طيلة شهر رمضان، فاستجابت لرغبتي ولم تكن استجابتها حبا في عيون العبد لله بل كان لشغفها بالاستماع للقصائد والأغاني التي أغنيها كل ليلة والتي كثيرا ما كنت أحاول تحفيظها لها.

ويسترسل زكريا أحمد عن حكايته عن أم كلثوم قائلا: وتعود بي الذاكرة إلي تلك الأيام الجميلة أيام الشباب إذ كنت وقتها في الرابعة والعشرين أنيقا شديد العناية بملابسي وهندامي.

حتي أن أخاها خالدا لمح حقيبة سفري فشاهد فيها عددا من الأحذية ففضحني ليلتها بين أهل البلدة قائلا:

هوه فيه صييت يسافر ويشيل معاه ست جز.

وهكذا توثقت علاقاتي وصداقتي بأم كلثوم وأخيها الشيخ خالد ودعتني لزيارتها بمنزلها بمطاي الزهايرة وهناك عرفتني بوالدها المرحوم الشيخ إبراهيم وكان رجلا في غاية التقوي والورع، فقضيت معهم أوقاتها طيبة أستعدت فيها نزوات الصبا ومرح الطفولة.

إذ كنت أمص مع أم كلثوم القصب وألاعبها الورق علي الطبلية وذلك لأرضائها فقد كانت أم كلثوم وقتها فتاة طليقة غير مقيدة بالمسئولية التي تقيدها الأن وكانت لا تحب سوي الموسيقي والمرح.

وأخيرا انتهي شهر رمضان وافترقنا فعدت أنا إلي القاهرة، وبقيت هي بطماي الزهايرة،  وعدت إلي القاهرة فغمرتني الحياة الصاخبة التي تغمر كل شيء حتي الذكريات السعيدة ولكن أم كلثوم ظلت من جانبها تراسلني بخطابات تحمل عبارات ساذجة مكتوبة بحبر أخضر يذكرني بالخضرة والصوت الحسن، وكانت خطابتها تدفعني دائما إلي القيام بالدعاية لها هنا من حيث لا أدري ولا تدري.

وفي نهاية سنة 1920 زارني أحد أصدقائي من التجار وطلب مني أحياء فرح له، فكتبت لها وكان أول خطاب أكتبه إليها وجاءني الرد بالقبول بعبارة مؤدبة وكانت أجرة الليلة ثمانية جنيهات زودتها بعد الحفلة إلي عشرة جنيهات، وقد دعوت في هذه السهرة المرحومين الشيخ علي محمود والشيخ أحمد ندا، وبعد أن سمعاها أمنا بها إيماني بها من قبل.

وأخذت أم كلثوم تصعد درجات المجد مستندة إلي ذراع أستاذها الأول الشيخ أبو العلا، وغنت لي بعدئذ أول مقطوعة لنتها لها وكانت "اللي حبك يا هناه".  


اللي بحبه.. فارس أحلام نجمات السينما زمان


 


عماد خلاف

تحت عنوان اللي بحبه قامت مجلة الكواكب بسؤال مجموعة من الفنانين عن نجمها المفضل أو بمعني أصح رجلها المفضل الذي لا ترضي عنه بديلا وطلبت المجلة من بعض النجمات أن تصف كل منهن الرجل الذي تحبه وتفضله علي غيره وجاءت أجابتهن كالأتي:

الفنانة كاميليا قالت أنها تفضل الرجل الغامض الذي أتوه في غموضه ولا أستطيع إدرك سره.

أما النجمة آسيا وتحت عنوان الرجل الحمش قالت "أحب الرجل الحمش الذي تتلاشي فيه شخصيتي، وأنسي وجودي في وجوده وأشعر أنني ذبت فيه بروحي ووجداني.

وقالت الفنانة فردوس حسن: أحب الرجل الذي تنافسني فيه غيري، ولو كان مش قد كده وإن الغيرة من أقوي دوافع الحب عندنا نحن الجنس اللطيف.


الجمعة، 17 سبتمبر 2021

سعاد حسني أخت القمر.. من البرنامج الإذاعي إلي بطولة فيلم حسن ونعيمة


 


علمها إبراهيم سعفان القراءة والكتابة وعلمتها إنعام سالوسة الإلقاء

محمد عبد الوهاب أصر علي بقاء اسمها سعاد حسني بدل سعاد توفيق

زوج أمها عرفها بعبد الرحمن الخميسي الذي أصر علي نجوميتها

قصة حسن ونعيمة حقيقية حدث في أحدي قري الدقهلية

عبد الرحمن الخميسي استغل نجاح مسلسل حسن ونعيمة ليحوله إلي فيلم

عبد الحليم حافظ وفاتن حمامة كانوا مرشحين لبطولة الفيلم ولكن إصرار الخميسي جعل سعاد البطلة

عماد خلاف

أولي مراحل النجومية والتألق والشهرة مع نجمتنا السندريلا سعاد حسني، بعد أن تألقت وهي طفلة مع الإذاعي بابا شارو، كان مع رؤية الكاتب الكبير عبد الرحمن الخميسي لها في بيت زوج أمها المدرس عبد المنعم حافظ، الذي كان علي علاقة مع الخميسي، ليدق الحظ بابها وتفتح أمامها النجومية من أوسع أبوبها.

يروي أحمد الخميسي نجل عبد الرحمن الخميسي، حكاية والده مع السندريلا، فيقول: كنت أسير مع والدي الشاعر وكان يسكن في نهاية عمارة شارع الجمهورية قرب قصر عابدين، ونحن سائرين، استوقفنا أحد الأشخاص في الشارع، وقال لوالدي عبد الرحمن، أنا عبد المنعم حافظ واستمع إلي محاضراتك عن التذوق الموسيقي في جماعة الجرامفون بكلية الآداب، وبعد فترة من تكرار المواقف تذكر والدي عبد المنعم، ودعانا إلي الغذاء في بيته مع أسرته، في حي الفوالة، وبالفعل رحنا أنا وأبي ودخلنا إلي عمارة متهالكة، إلي أن وصلنا إلي الشقة التي كانت لا تختلف كثيرا عن العمارة من ناحية التهالك بالإضافة إلي الأثاث البسيط، وبعد أن جلسنا قام زوج أم سعاد حسني بتعرفينا علي زوجته الست جوهرة، وجلسنا وأكلنا ثم ظهرت سعاد ونحن نوشك علي الانصراف، حيث دخلت بصينية شاي، وكانت نحيفة جدا، وخجولة، وابتسمت ووضعت الصينية وجلست معنا ولم تنطق بشيء، وتنظر نحونا، وتأملها أبي طويلا ولم أكن أعرف السبب وراء ذلك.

ثم بعد فترة قال: هذه البنت نجمة سينمائية، ويؤكد أحمد الخميسي أن والده كان معروف عنه أنه مجامل كثيرا، ولم ألتفت لما قاله، وبعد أن أكلنا وشربنا الشاي وتكلمنا كثيرا مع العائلة، قمنا للانصراف، وسألت والدي ما قلته في البيت عن الفتاة سعاد من أنها نجمة أم كنت تجامل والدها، توقف للحظة وقال: لا والله يا ابني، إنها نجمة ونجمة كبيرة.

ومنذ تلك اللحظة لم ينسي والدي سعاد حسني، وكان لديه إصرار علي تقديمها إلي التمثيل، وبالفعل كان يجهز لفرقة مسرحية جديدة تضم وجوها من الشباب، لتقديم مسرحية هاملت، وضم سعاد حسني إلي الفرقة، بعد أن اقترح علي زوج أمها وأمها انضمامها للفرقة فرحبوا علي الفور، وبالفعل بدأت سعاد حسني لتقديم البروفات للمسرحية ولكن للأسف ظهرت مشكلة كبيرة وهي عدم قدرة سعاد حسني علي القراءة والكتابة وهذه مشكلة كبيرة جدا، ولحسن حظها توقفت المسرحية، وقبل أن تتوقف طلب عبد الرحمن الخميسي من الممثل الكوميدي والشهم إبراهيم سعفان تعليم سعاد حسني القراءة والكتابة، ووافق سعفان وبدأ في تعليمها ولاحظ سرعتها في التعلم، وخلال ستة شهور تعلمت سعاد القراءة والكتابة مايعادل درجة طالب بالمرحلة الإعدادية، ورغم توقف بروفات المسرحية ظلت إبراهيم سعفان يعلمها حتي انتهت وأصبحت كغيرها من زملاء الفرقة تجيد القراءة والكتابة.

أما خليل عبد النور صاحب كتاب "سعاد حسني ضحية اغتالها المثقفون" الصحفي في جريدة الكواكب، الذي كان صديقا للشاعر متعدد المواهب عبد الرحمن الخميسي، حيث يقول وقبل أن يقود المخرج الكبير هنري بركات، سعاد حسني إلي مكتبي وأنا كنت مديرا لتحرير مجلة الكواكب في أواخر عام 1958 وقد اختارا كبطلة جديدة لفيلمه "حسن ونعيمة"، ويؤكد خليل عبد النور أنه قد رأي سعاد حسني أكثر من مرة مع الصديق الكاتب الشاعر المتعدد المواهب عبد الرحمن الخميسي، في زيارته معها لمجلة "صباح الخير" التي صدرت في عام 1956 أو خلال البروفات المسرحية لفرقته التي كان ينوي أن تكون باكورة أعمالها مسرحية أطلق عليها اسم "نجفة بولاق" واختار سعاد حسني بطلة لها، لكن المسرحية لم تعرض، إذ أفلست الفرقة بعد ست شهور فقط من إنشائها.

ويضيف خليل عبد النور في كتابة قائلا: علي أن سعاد حسني منذ دخلت مكتبي في الكواكب مع بركات أصبحت بيننا قنطرة من الود والفهم المتبادل والتعاطف الواعي والقب فيما توالي من سنوات، حتي تلك النهاية المأساوية التي أنهت حياتها.

ويشير خليل عبد النور إلي العلاقة القوية التي كانت تربط سعاد بالخميسي، وعندما فكر في تحويله مسلسله الإذاعي "حسن ونعيمة" إلي فيلم سينمائي قرر أن يستعين بالسندريلا سعاد كبطلة في الفيلم مع الوجه الجديد أيضا محرم فؤاد، لكن المنتح فيلم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان يريد عبد الحليم حافظ وفاتن حمامة بطلين للفيلم، ولكن إصرار عبد الرحمن الخميسي والمخرج هنري بركات، علي إسناد شخصية نعيمة إلي سعاد جعل محمد عبد الوهاب يوافق علي الفور، ولكن قرر الخميسي مع هنري بركات تغير اسم سعاد حسني إلي سعاد توفيق، لكن محمد عبد الوهاب رفض نهائيا علي تغير الاسم وقال سعاد حسني اسم موسيقي وفيه رنه في الأذن وبالفعل استقروا علي بقاء اسمها كما هو.

وبدأت نجومية سعاد حسني في عام 1958 مع فيلم حسن ونعيمة المأخوذ من قصة حقيقة لشخصية حسن المغنواتي الذي كان يسكن في قرية في أحدي محافظة الدقهلية وكان مطربا في الأفراح ويطوف بفرقته في القري حتي رأي نعيمة وتعلق بها، لكن والدها رفض أن يزوج حسن لنعيمة، وبعد فترة وجدوا جثة حسن طافية في نهر النيل، بعد أن قتلوه، وأخذ القصة عبد الرحمن الخميسي وأراد تحويلها إلي مسلسل إذاعي بطولة بطولة كريمة مختار، وبعد النجاح الساحق الذي حققه المسلسل الإذاعي حول القصة إلي فيلم، وقامت سعاد حسني ببطولته لتبدأ رحلة الألف ميل بخطوة، لكنها خطوة مهمة لبداية نجمة القرن الماضي والقرون القادمة أنها سندريلا العرب ومعشوقة الجماهير سعاد حسني.


من حي بولاق إلي ماسبيرو.. طفولة سعاد حسني التعيسة


 


والدها ضربها علقة ساخنة عندما ضربت أختها المطربة نجاة

رغم حبها للبالونات تخلت عنها مقابل صورة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم

حفظت في سن السادسة أغنية "غلبت أصالح في روحي"

عقدتها والدها الذي كان مزواجا وكثير إنجاب الأطفال ولا يهتم بتعليمهم الكتابة والقراءة

بعد غنائها "أنا سعاد أخت القمر" الإذاعي الكبير بابا شارو تنبأ لها مستقبل كبير

عماد خلاف

منذ مجيئها للدنيا في 26 يناير عام 1943، كان المواطنين في الوطن العربي علي موعد مع السعادة والشقاوة والفرفشة والضحكة الحلوة، سعاد محمد حسني البابا، ابنه الخطاط الذي ينتمي إلي العائلة البابانية، التي عاشت في دمشق في فترة الحكم العثماني، واضطر جدها حسني البابا المطرب السوري، ترك المدينة الدمشقية ليأتي إلي قاهرة المعز في عام 1912 مصطحبا أسرته، ليستقروا جميعا بعد أن ضاقت بهم الدنيا هناك.

محمد حسني البابا، الذي اشتهر بمهاراته في الخط العربي، إذ عمل في القصر الملكي، بعدها تولي إدارة مدرسة الخطوط الملكية بالعباسية بتكليف من الملك فاروق،  وتزوج من جوهرة محمد حسن صفور من عائلة صفور بمحمص بسوريا والده سعاد، والتي تشبهها إلي حد كبير، وانجبت والدتها 16 أخ وأخت، بسبب انفصال والديها وهي في الخامسة من عمرها، للتزوج الأم من مفتش التربية والتعليم، عبد المنعم حافظ، فلها 8 أخوة لأبيها بينهم 4 ذكور و4 إناث، و6 لأمها منهم 3 ذكور و3 إناث، وشقيقتين لسعاد حسني هما، كوثر وصباح.

ولدت السندريلا سعاد حسني في حي بولاق، وتعلقت بالغناء من خلالها عشقها لأم كلثوم الذي تربت علي صوتها وهي صغيرة، حيث تحكي أخت القمر سعاد حسني ، عن علاقتها بالغناء فلم يكن حبي للغناء وليد الصدفة بل جاء نتيجة أن المحيطين بي من الأهل كانوا يعشقون الفن، وفي سن السادسة كنت أحفظ أغاني أم كلثوم، وأول أغنية حفظتها هي "غلبت أصالح في روحي، لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي وصفتها بأنها هي من جعلتها تتعلق بالغناء وتعشقه لدرجة كبيرة، ورغم حب السندريلا للبالونات أعطتها لطفله صغيرة من أجل الحصول علي صورة أم كلثوم.



وبعد عودتها إلي البيت كما تروي سعاد حسني، قامت أختها المطربة نجاة بتمزيق صورة أم كلثوم، وبسبب تصرف أختها نجاة قامت سعاد بغرس أظافرها في وجه أختها، حتي سالت منها الدماء، وقام والدها حسني البابا بضربها علقة ساخنة، حيث تصفها سعاد بأنها أو مرة والدها يضربها بهذه الطريقة البشعة.

ورغم سن سعاد الصغير الذي انفصلت فيه الأم عن الأب لكنها تروي عن أبيها أنه كان يخصص لنفسه غرفة ليكتب فيها الخطوط، وفي حالة وجود الأب في غرفته للعمل لا يصدر الأولاد أي صوت حتي لا يزعجوا الأب المنهمك في كتابة الخطوط، ولكن الطفلة الصغيرة سعاد لم تلتزم بالتعليمات وقامت بالغناء لأم كلثوة أغنية "غلبت أصالح روحي" وما أنتهت السندريلا من الأغنية فوجئت بوالدها أمامها لترتبك وتصاب بالذعر خوفا من ضربها علقة أخري.



لكنها فوجئت بتصرف أبيها معها عندما ربت علي كتفها وطلب منها أن تغني مرة أخري، ووعدها بدسته بالونات، فغنت له "هلت ليالي العيد" ليقتنع الأب بموهبة ابنته الصغيرة سعاد ويصطحبها إلي الإذاعة ليقدمها إلي الإذاعي الكبير بابا شارو، لتغني أمام الميكرفون، وتدندن "أنا سعاد أخت القمر/ بين العباد حسني اشتهر" ومن أن انتهت من الغناء أثني عليها الإذاعي بابا شارو قائلا لوالدها: ابنتك ينتظرها مستقبل باهر وكبير".

ويضمها بابا شارو في البرنامج الإذاعي الذي يقدم للأطفال، وفي المرة الثانية يطلب منها والدها الذهاب إلي البرنامج الإذاعي ترفض بحجه أن بابا شارو لم يأتي لها بالونة في المرة السابقة، ولكن والدها يحضر لها البالونات لتذهب إلي البرنامج وتستمر فيه.

كثير من الكتاب والصحفيين الذين كتبوا عن سعاد حسني البعض منهم عاش قريبا منها والبعض الأخر دون عنها ما سمعه، من بين الكتاب الصحفيين الذين عاشوا بجوارها والتقوا بها وعرفوا عنها الكثير الكاتب الصحفي عبد النور خليل مؤرخ الفنانين، الذي ألف كتابا مهما عنها بعنوان "سعاد حسني.. ضحية اغتالها المثقفون" وعرف الكثير عنها ودون كل ما قالته له في كتاب، حيث كانت تربطهم صداقة متينة، منذ الخمسينيات حتي رحيلها المفاجي، ليضطر أن يكتب عنها كتابا فمعروف عنه أن عمل صحفيا في دار الهلال وكانت تربطه علاقة بعائلة سعاد.

يروي عن الصحفي عبد النور خليل عن بدايات سعاد حسني قائلا: عقدتها أو مأساتها كانت مرتبطة بوالدها محمد حسني البابا، الذي تربع علي عرش فن الخط العربي، وكان لا ينافسه أحد سوي محمد إبراهيم كاظم والد الكاتبة الصحفية الكبيرة صافي ناز كاظم، ورغم ما حظي به والدها لكنه كان مزواجا كثير الطلاق بالإضافة إلي كثرة الأطفال بطريقة مرعبة، وكان يترك الأولاد تهيم بهم الحياة، ولم يكن يحرص علي تعليم أولاده الصغار في المدارس، أو حتي مباديء القراءة والكتابة وليس من بين أولاده الذين جاءوا من صلبه من التحق بالمدارس من أجل التعليم، بل علموا أنفسهم بأيديهم في  ظروف شاقة جدا، وكان كل هذا سببا رئيسيا في عقدة سعاد حسني التي سوف تعيش معها طيلة حياتها، وتسبب لها مشكلة كبيرة عندما تكبر وتريد الالتحاق بالتمثيل.

وأولاد وبنات حسني البابا كانوا جميعا فنانين بالفطرة، حيث أن المطربة نجاة كان لها شأن كبير بين الأطفال، وكانت تغني دائما في بيت أبيها، وذات مرة سمعها شقيقها عز الدين، فوجدها لا تخرج عن اللحن الذي تشدو به، وكان عز الدين من الأطفال الغير أشقاء لسعاد حسني حيث التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي العربية، وأصبح ملحنا معروفا، إلي جانب سامي محمد حسني البابا وكان يجيد العزف علي الكمان والرق، ومعه فاروق يعزف علي القانو والعود ويجيد الرسم، ومعهما سميرة تجيد  العزف علي القانون والعود والكمنجة، وبسبب هؤلاء جميعا وبقيادة عز كونوا أول تخت للمطربة نجاة الصغيرة، التي أصرت هي الأخري علي أن تعلم نفسها.

وفقدت سعاد حسني حنان الأب وحضنه في سن مبكرة جدا، فهو للأسف حاضر بجسده فقط، أما روحه فلا وجود لهما في حياتها، وفقدانها له كان سبب كبير في دوامات الحزن القاسي الذي تلازمها طيلة حياتها، رغم الانطلاق والمرح والدلع الذي صاحب سعاد طيلة حياتها فكانت تعوض غياب الأب بالرمي في حضن السعادة، وكأنها لم تعرف البؤس يوما ما.

وفي سن السادسة حصلت أم سعاد حسني علي الطلاق، للتزوج من ناظر مدرسة ابتدائية عبد المنعم حافظ، الذي كان عاشقا للفن وحريصا علي حضور محاضرات في التذوق الموسيقي، وتأخذ الأم بنتها سعاد مع أولادها لتضمهم معها في زواجها الثاني، ورغم إنجابها الأولاد من الزوج الأول حسني البابا، لكنها أنجبت مرة أخري من زوجها عبد المنعم حافظ، وراحت تلد كل عام مولود، ليصلوا إلي سبعة عشر ولدا وبنتا، وهذا العدد الكبير جعل سعاد حسني لا تعرف الحب ولا الدفء الأسري أبدا، فالأب غائب والأم تلد كل عام ولا شيء غير ذلك، وتبحث عن أمها لا تجدها والأب مزواج كثير الطلاق.

عاشت سعاد وأخواتها بعد انفصال والديها، مع أمها وزوجها الجديد عبد المنعم حافظ، وتنجب الأم منه ثلاث بنات وثلاثة أبناء وهم جيهان، وجانجاه، وجيلي وجهير وجاسر وجلاء.

وتحكي سعاد حسني مواقف طريفة مع الكاتب وجدي الحكيم، قائلة: لا أتذكر شيئا كثيرا عن حياتي في الطفولة، ولكن من بين ما أذكره عندما كنت أغني في برنامج الأطفال الخاص بابا شارو، عندما كانت تغني "طولي شبر ووجهي بدر، صوتي ساحر كلي بشر، وغيرها من الأغاني التي أتذكرها وهي أنا سعاد أخت قمر، وهناك واقعة أتذكرها عندما كان هناك تسجيل للإذاعة وكان علي الهواء مباشرة، وكنت نمت تحت البيانو إلي أن جاءت فقرتي فنادوا عليه، وصحيت من النوم علي الميكرفون.

في مرة طلعت علي المسرح وغنيت والناس فرحوا قوي بيه وفضلوا يصقفوا ليه، ساعتها رحت بكيت من الفرحة، ويصف الممثل سمير صبري، سعاد حسني وهي طفلة بأنها كانت طفلة غلبانة، وضائعة، وعاشت طفولة تعيسة وكانت بلا عائلة وتحتاج إلي من يرشدها، وتعذبت جدا في طفولتها، فلم يكن أحد بجانبها، وهي من اعتمدت علي نفسها طيلة حياتها.

وفي لقاء أخر للسندريلا سعاد حسني عن طفولتها تقول عن الإذاعي بابا شارو كان لطيف جدا مع الأطفال وكان بيحبنا جدا وبتعامل معانا برقة ولطف، وفي مرة خرج بابا شارو علي الهواء مباشرة في الإذاعة قائلا معي ست من المغنيين الصغيرين جدا، وفي كل مرة كنا بنسمع كل طفل لوحده، المرة دي سوف تسمعوهم مرة واحدة، لتقول في البداية طفلة أنا صباح زي القمر، ومن بعدها يأتي صوت سعاد حسني وهي تقول أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسني اشتهر، أنا مني أن هالة، أنا سما، أنا شروق، أنا ابتسام، لتنهي الأغنية بعد أن تقدم كل واحدة من الأطفال نفسها بشكل منفرد، لينهي البابا شارو البرنامج قائلا: سمعتوا يا حلوين الستة الأطفال بيغنوا، سمعتوا أولا صباح وبعدها سعاد، وبعدها مني وبعدها بذور وبعدها أبتسام، وأخيرا ناجي فتي الفتيان، لينتهي البرنامج الإذاعي لبابا شارو، الذي شهد نجومية وسيطرة سندريلا العرب سعاد حسني أخت القمر الذي بدأت حياتها بمأساة وأنتهت أيضا بوقوعها من شرفة شقة في لندن، ما بينهم حكايات كثيرة لابد أن تحكي عن سعاد حسني الذي حيرت وخطفت قلب كل من أقترب منها سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لتكون بحق أعظم ممثلة في تاريخ السينما العربية، والعالمية بعد أن طورت من نفسها، لتبدأ مرحلة جديدة مع النجومية والشهرة عندما تلتحق بالسينما.