الخميس، 18 نوفمبر 2021

علي الكسار.. المظلوم

 

المبدع علي الكسار


عماد خلاف

يأتي «علي الكسار» من بين رواد الكوميديا في الوطن العربي، وأحد الأوائل الذين أرسوا قواعد الضحكة على شفاه الملايين، ويُنسب إليه، ونجيب الريحاني، وشكوكو، وإسماعيل يس، وعبد المنعم مدبولي، وزينات صدقي، وغيرهم، أنهم أصحاب المدرسة الكوميدية الخالية من الاستظراف.

ولكن للأسف لم يحصل «علي الكسار» علي حقه حتي هذه اللحظة بأنه صاحب مدرسة كوميدية فريدة يقف بجانب نجيب الريحاني وفي بعض الأحيان يسبقه حيث ظل الأثنان ينافسان بعضها البعض علي مسارح القاهرة والأقاليم، وكلما ذكر المسرح يذكر نجيب الريحاني دون الألتفاف إلي عملاق من عمالقة الضحك علي الكسار الذي عاش ومات دون أن يعطيه أحد حقه، وعن هذا الجزء سوف نسترسل قريبا بحكايات تؤكد أن علي الكسار لا يقل عن نجيب الريحاني بل يسبقه ورغم النجومية التي عاش فيها لكنه مات فقيرا ومنسيا.

كان الكسار من بين الفنانين الكبار الذين لم يبخلوا على المجلات والصحف بمقالات يكتبون فيها ما يشاءون.

ومن بين الكنوز التي عثرتُ عليها، مقالًا لرائد الكوميديا علي الكسار في العدد الأول من مجلة «الكواكب»، وتحديدًا في 28 مارس 1932، وكان ثمن النسخة من المجلة 5 مليمات، وجاء بعنوان "كيف أُضحك الناس؟".

وعبّر الكسار في هذا المقال عن الكثير مما يجول في خاطره، راسمًا بقلمه الخطوات التي يجب أن يسير عليها الكوميديان حتى لو خرج على النص المكتوب، وفي بداية المقال يوضح الكيفية التي يعتمد عليها في رسم البسمة على الشفاه من خلال اعتماده، قبل كل شيء على حركات العينين «المييك»، في إضحاك الناس.

وحتى يبرهن على الكسار على صدق ما يقوله في المقال استرسل قائلًا: ولكي أبرهن لك على صحة ذلك، أرجو أن تتخيل ممثلًا يتكلم وهو يعطي ظهره إليك، هل تظن أنه يضحك أحدا مهما يكن ظريفًا وخفيف الظل في كلامه؟

                             

ويكشف الكسار في الجزء الثاني من المقال عن بداية تقمصه شخصية البربري قائلًا: ويرجع اختياري لشخصية البربري إلى عام 1916، إذ كنت أعمل قبل ذلك مع جورج دخول، الذي اخترع شخصية كامل الأصلي، وقد كان يعتمد في إضحاك الناس على اللهجة السورية التي كان يلقي بها كلماته؛ ولكن في ذلك العام كنت مشتركًا مع مصطفى أفندي أمين في العمل، وفكرنا في إخراج قصة عنوانها «حسن أبو علي سرق المعزة» فاخترت لنفسي شخصية «بربري» اعتقادًا مني بأن هذه الشخصية غنية يستطيع الممثل أن يجد فيها مجالًا واسعًا للعمل والابتكار، ولم يكن أحدٌ من الممثلين المصريين قد مثّل شخصية البربري قبل ذلك، فوجدت أنني أستطيع أن أستغل بلاهة «البربري» كعنصر أساسي من عناصر الإضحاك، كما أن هناك نواحٍ أخرى من هذه الشخصية لا تخيب في إضحاك الناس، ويكفي لذلك أن يعمد «البربري» إلى الخبث والمؤامرة برغم بلاهته وسذاجته، أو أن تشتد به ثورة الغضب لكرامته وتظهر «زربونته».

ويشير «الكسار» إلى إشادة الممثل الفرنسي الكبير دني دينيس به عندما زار مسرحي، قال: «إنني أمتاز وأنا أمثل على خشبة المسرح بأنني أشتغل في الوقت نفسه مع الجمهور الذي جاء يشاهدني، فأنا أحرص دائمًا على أن تكون الصلة بيني وبين الصالة قوية ومستمرة، فإذا اتضح لي أن الكلام الذي وضعه المؤلف على لساني لم يوفق في إضحاك الناس، فإنني لا أتردد في أن أرتجل ما أعتقد أنه يضحكهم من ذلك».

وضرب على ذلك مثالاُ: كنت أمثل رواية «أبو فصادة»، وكان علي أن أقول عن شخصية امرأة تعشق بل تعبد، وقد ظللت أكرر هذه الجملة في كل مرة أمثل فيها الرواية وأتفنن في تغيير ملامح وجهي ونبرات صوتي، وإشارات يدي لعلي أوفق في إضحاك الناس فكنت كل مرة لا أقابل إلا بالصمت صمتًا مؤلمًا.

ويسترسل الكسار في المقال قائلًا: وأخيرًا حدث بعد ذلك الموقف نفسه «فينيس»، وبدلًا من أن أكمل أنها امرأة تعشق بل تعبد قلت من عندي «فينيس فينيس النيس كونيس»، فضجت الصالة بالضحك الشديد، ومنذ تلك الليلة أضيفت هذه الجملة على دوري في رواية «أبو فصادة» بدلًا من الجملة التي وضعها المؤلف.

ويختتم الكسار المقال «وهكذا تراني أتحسس موضع الغبطة من نفس الجمهور، فأنا لمست هذا الموضع وطفقت أروي زناده حتى أبلغ من هذا الجمهور بغيتي التي هي نفس بغيته».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق