الخميس، 11 نوفمبر 2021

عزيز عيد وفهيم الفار ومحمد ناجي.. أول فرقة كوميدية مصرية

 

مسرح 



عماد خلاف

لم يكن أحد من المصريين يعرف المسرح الكوميدي بشكله المعتاد والتقليدي، وأول من أدخله الفرنسيون أثناء حملتهم على القاهرة، في أواخر القرن الثامن عشر، حيث أقام دار جيافل ناديا اجتماعيًا للجنود في أحد المنازل بالأزبكية بالقاهرة من أجل الترفيه عنهم، وبعد فترة تكونت جمعية للتمثيل من أعضاء النادي.

هذا المسرح أنشأه نابليون، بوجه البركة، مثلت فيه روايات باللغة الفرنسية ترفيهًا عن الجنود وتسلية لهم، إلى أن دُمر خلال ثورة القاهرة 1799، فأعاد الجنرال مينو بناءه من جديد وأطلق عليه اسم مسرح الجمهورية.

شهد هذا المسرح، مسرحيتين كوميديتين لفولتير وموليير في ديسمبر 1800، وفي يناير 1801 مثلت الجمعية أوبريت المحامي باتلان والطحانين تأليف بلزاك، وتلحين ريجيل، ويدور هذا الأوبريت حول حوادث كوميدية ممزوجة بالألحان الموسيقية، يفتعلها منافس في الحب للإيقاع بين حبيبين، وكان كل مشهد كوميدي ينتهي بأغنية مرحة؛ والجبرتي في كتابه «عجائب الأثار في التراجم والأخبار» نوه عن هذا العرض قائلًا: وفيه كمل المكان الذي أنشأه بالأزبكية عند المكان المعروف بباء الهواء، وهو المسمى في لغتهم بالكمدي، وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشرة ليال، ليلة واحدة، يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم، ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة»، واسترسل الجبرتي في وصفه لنصل إلى حقيقة أن عروض المسرح لم تكن مقتصرة على جنود الحملة الفرنسية بل كان يشاهدها نخبة من المصريين، وكانت العروض في معظمها عروضًا كوميدية موسيقية.

بعد ذلك أستولى الشوام على المسرح الكوميدي، إلى أن ظهر عزيز عيد وكون أول فرقة كوميدية، قبل ظهور نجيب الريحاني وعلي الكسار، ومع بداية عام 1906، وخلال عمله في فرقة إسكندر فرح، لمع اسم عزيز عيد من خلال دوره في مسرحية «الملك المتلاهي»، وخلال هذا العام ظهرت فرقتان فرنسيتان مثلت مسرحيات فودفيلية، على مسرح النوفتيه وحديقة الأزبكية، وبعد فترة تعرضت هذه المسرحيات وخصوصًا مسرحية ليلة الزفاف إلي هجوم من جريدة مصر الأسبوعية التي كانت تصدر في ذلك الوقت، لما فيها من رذيلة وخروج عن الآداب العامة، ولأن الشوام، والفرنسيون كانوا مسيطرون على المسرح المصري، تأثر عزيز عيد بهذه العروض وقام بتمصيرها، وكون أول فرقة كوميدية مصرية في تاريخ المسرح المصري، بمساعدة سليمان الحداد، وبدأ عروضه بمسرحية فودفيلية بعنوان مباغتات الطلاق في عام 1907 بمسرح دار التمثيل العربي.

ثم توالت العروض لفرقة عزيز عيد على العديد من المسارح من بينها تياترو عباس بشارع قنطرة الدكة، ومسرح الحمراء وصالة الأعياد بالإسكندرية، ومن بين هذه العروض الكوميدية التي لاقت استحسان المشاهدين «ضربة مقرعة وكوميديا، والابن الخارق للطبيعة، والماسون، والملك يلهو، والزفاف عند الأفرنجي أو ليلة الزفاف».

حاول عزيز عيد إنقاذ فرقته الكوميدية الأولي بعد عزوف المشاهد عنها لاعتماده علي «الفودفيل»، الذي لم تستهوَ المشاهد المصري، ويقوم بعرض بعض المسرحيات المألوفة عند الجماهير، مثل مسرحية «الكابورال العجوز أو الإرث المغتصب»، ومسرحية «في سبيل الاستقلال»، ورغم ما فعله عزيز عيد امتنع الجمهور عن الحضور، وتوقفت الفرقة الأولى الكوميدية في تاريخ مصر، لينضم عزيز عيد مرة أخرى إلى فرقة سلامة حجازي، وبعدها إلى فرقة أولاد عكاشة، وفرقة جورج أبيض، ليعود ممثلا كما كان.

على الرغم من أن عام 1907 شهد أول ظهور فرقة كوميدية مصرية، ظهر معها أول ممثلين مصريين احترفوا تمثيل الفصول المضحكة، بعد أن كان حكرًا على الشوام وهما أحمد فهيم الفار، ومحمد ناجي، وكان الفار في بدايته يعرض فصوله المضحكة ضمن برنامج الفرق المسرحية الكبرى، ومع إقبال الجماهير على فصوله، أصبحت له حفلات خاصة يعرض فيها فصوله المضحكة، وتطورت هذه الفصول فيما بعد لتصبح مسرحيات كوميدية مرتجلة ذات ثلاثة فصول. الفار عرض هذه الفصول بمسرح شارع عبد العزيز وبكازينو المنظر الجميل بالإسكندرية، «دخول الفلاح العسكرية، والعجائب والغرائب، والشيخ المتصابي»، أما محمد ناجي فكان يقدم فصوله المضحكة في نهاية عروض مسرحيات الفرق والجمعيات التمثيلية أمثال فرقة سلامة حجازي، وفرقة أولاد عكاشة، وشركة التمثيل الكبرى، وجمعية التمثيل العصري، ومع ظهور فرقة عزيز عيد الكوميدية ظهرت بعدها فرقة الأخوين سليم وأمين عطا الله، التي ابتكرت أسلوبًا كوميديًا.

 ولم تكن فرقة عزيز عيد الكوميدية الوحيدة على الساحة، بل ظهرت بعدها فرقة الأخوين سليم وأمين عطا الله، التي ابتكرت أسلوبًا كوميديًا جديدًا، وهو تحويل فصول المسرحيات الكلاسيكية المشهورة إلى فصول مضحكة هزلية، كما ظهرت فرقة حسن كامل، التي قدمت مسرحيتي «معرض الزواج، والمستشفى» بنادي موظفي الحكومة المصرية.

وفي عام 1913 كون عزيز عيد مرة أخرى فرقة كوميدية، لتجول بالمحافظات، بدء بالمنيا، بمسرحية ليلة الزفاف، وأشار في إعلاناته عدم حضور السيدات والتلاميذ، فزاد الإقبال الجماهيري، بسبب هذا المنع، وبعد تمثيل المسرحية نشر أحد أعيان المنيا في الصحف، مقالا تحت عنوان حافظوا على الآداب، جاء فيه: لاحظ جميع من حضر التمثيل من الفضلاء، عدم لياقة تمثيل هذه الرواية في بلادنا، لما احتوت عليه من ضروب الخلاعة والأمور المخجلة المعيبة، وليس من حسن الذوق أن يشاهد الناس في اجتماعاتهم العمومية، خلاعة المرأة ونومها في سريرها بملابسها الشفافة، وخلع الرجل لملابسه ليهم بها وتقبليها مرارًا، نقول هذا لأن التمثيل إنما وجد لتهذيب الأخلاق وتقويمها؛ وعليه نطلب من جوق عزيز أفندي عيد عدم تمثيل هذه الرواية مرة أخرى، وبعد هذا الهجوم لم تستمر الفرقة طويلا فتوقفت عن عملها مرة ثانية، بعد عروض متفرقة لم تستغرق شهرين فقط، لتنتهي بعد ذلك أول فرقة مسرحية كوميدية في تاريخ مصر، لتبدأ بعدها ظهور العديد من الفرق ومعها الأسماء الكوميدية اللامعة كنجيب الريحاني وعلي الكسار، ولنا مع هؤلاء مجموعة من الطرائف والمواقف خلال الفترة القادمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق