الأحد، 5 يونيو 2022

عماد خلاف يكتب.. هاملت بالمقلوب.. رائعة المخرج مازن الغرباوي علي مسرح السلام

المخرج مازن الغرباوي وخلفه بعض الممثلين المشاركين في العرض

 

تتجلي عبقرية النص المسرحي «هاملت» للكاتب شكسبير علي أنه  قادر علي العطاء الفكري والنفسي والفلسفي في كل العصور وفي كل بيئة سواء كانت عربية أو أجنبية، لذلك ليس بمستغرب أن يقوم الكاتب الدكتور سامح مهران بأخذ الفكرة الرئيسية لمسرحية هاملت وراح يوظفها حتي تلائم مجريات العصر الحديث، ليحمل النص عنوان "هاملت بالمقلوب".

بعض الشخصيات موجودة كما في النص الأصلي العم كلوديس وجيرترود ملكة الدنمارك والدة هاملت،  لكن هاملت عند شكسبير ضحية وعند سامح مهران مذنب ومتورط كما في كل شخصيات المسرحية سواء من خلال العم الذي قتل أخيه والزوجة الخائنة بالإضافة إلي أوفيليا العاشقة للأمير هاملت الكئيب الذي يشله التردد وتعذبه حماقته ويظل يتخبط بين الجنون وإدعاء الجنون وبين العبث وترديد العبارات وضرورة الفعل، حتي نصل في النهاية أن هاملت المتردد عند شكسبير ينتقم لمقتل أبيه لكن عند سامح مهران لا يفعل شيئا سوي الهمهمة وقلة الحيلة بالإضافة إلي محاكمته وتحويله إلي مجنون.

الدكتور سامح مهران يحاول جاهدا أن يبعدنا عن النص الأصلي لشكسبير من خلال استعماله لبعض العبارات التي كتبت في رواية الأخوة كرامازوف للكاتب ديستوفيسكي وهي «إلم يكن الله موجودا فكل شيء مباح»، كما استلهم بعض العبارات من هنا وهناك من خلال قول الرسول صلي الله عليه وسلم «ارحموا عزيز قوم ذل» وغيرها من العبارات، لكن هذا كله لم يمنع المخرج المسرحي مازن الغرباوي أن يجتهد ويتألق في تأويل النص وتفسيره واكتشاف العلاقة يبن النص وهموم الإنسان المعاصر، وكان هذا واضحا من خلال اختياره للممثلين علي خشبة المسرح وإيضاح العلاقة بالتعبير عنه بالنبرة والإيقاع والإطار السينوغرافي "الديكور والملابس والإضاءة" بالإضافة إلي الموسيقي.

لا يمكن أن يقوم النص المسرحي وحدة بهذا كله لولا وجود مخرج عبقري قادر قراءة النص والعمل علي تقديمه بصورة رائعة وهذا ما فعله مازن الغرباوي فالتفسير والتأويل هو فن المخرج ووضع النص المسرحي في صورته التعبيرية الجمالية واكتشاف العلاقة بين النص والعصر من خلال استعمال الديكور المصاحب  وتجلي هذا من خلال توظيفه لمجموعة من الشباب والشابات يمسكون بلوحة خشبية مضاءة كصورة توضح أن ما في أيديهم هاتف محمول في محاولة منه لربط النص بمجريات العصر، كما أنه في بداية العرض المسرحي نري ونسمع المجاميع من الممثلين تقوم بالدق علي خشبة المسرح وكأنه يريد أن يوقظنا من السبات.

المخرج والكاتب يتلاعبون بالمشاهدين من خلال العبارات التي تأتي علي لسان أبطال العمل وتحديدا هاملت الذي يظل يردد الكلمات، «الفعل الطيب قد يخفي وراءه نوايا خبيثة» لا شيء حقيقي في العالم، الكل يكذب، كما صاحب كل ذلك ارتداء المجاميع حول هاملت الأقنعة كدليل علي تلون البشر بالإضافة إلي استعمال اللون الأسود كثيرا لذلك نحن أمام نص مسرحي مليء بالرمزية. 

يبدأ العرض بصورة تظهر في خلفية المسرح وهي للفنان خالد الصاوي الذي يتقمص شخصية والد هاملت الذي يطالبه بالانتقام من عمه الذي قتله وتزوج من الملكة ونصب نفسه ملكا علي العرش، وتتوالي الأحداث في حلقة دائرية دون أن نصل إلي شيء مع الدكتور سامح مهران الذي يترك هاملت في دوامة الخيالات والأوهام حتي ينتصر في النهاية كلوديس القاتل لأخيه، وكأن الكاتب يريد أن يقول أن الشر هو المنتصر في النهاية، فلا داعي لعمل شيء، فالكل مهزوم ومنكسر محاولا الابتعاد عن النص الأصلي لذلك اختار له اسم «هاملت بالمقلوب» وكأن كل شيء مقلوب في هذه الدنيا فالشر هو المنتصر.

مازن الغرباوي لم يسمح للمسرحية بالترهل والمط والتكرار حيث قام بتوظيف الموسيقي بشكل رائع جدا فالمسرحية أشبه بقطعة موسيقية كما يتجنب الرتابة كما في حركة الممثلين علي خشبة المسرح، كما أن الديكور المصاحب للعرض ينبض بالحياة  فلا نحس بجموده بل علي العكس تماما يتلاعب به ويوظفه كما يريد فمرة يكون مائدة تجمع الملك كلوديس والقس والد أوفيليا للتأمر علي هاملت، ومرة أخري يكون إداة للتعبير عن الخيالات التي يراها هاملت أمامه ويضع داخل الصناديق كائنات بشرية ترتدي أقنعة.

لا يفوتني أن أثني علي الفنان عمرو القاضي الذي جسد شخصية هاملت الذي برع في تقمص الشخصية من خلال تعبيرات الوجه ونظرات العيون الشاردة والمليئة بالتساؤلات والشطح في أحيان كثيرة كما أن سمر جابر امتلكت شخصية أوفيليا وراحت تبدع وتتألق بالإضافة إلي الفنان أيمن الشيوي الذي ظهر في شخصية كلوديس عم هاملت الذي يستولي علي الحكم ويتزوج من أوفيليا حبيبه هاملت والفنان الرائع خالد محمود الذي جسد شخصية القس ووالد أوفيليا بالإضافة إلي نهاد سعيد كما أن الإضاءة والديكور لـ صبحي السيد والموسيقي للفنان طارق مهران وأزياء مروة عودة وماكيير لمياء محمود وكوافير محمد شاكر ومخرجان منفذان نور السيد وأحمد أمين.

هاملت بالمقلوب هو من إنتاج وزارة الثقافة، قطاع شئون الإنتاج الثقافي والبيت الفني للمسرح ويعرض علي خشبة السلام كما استعان المخرج بمجموعة من الوجوه الجديدة من شباب المعاهد الفنية والمسرح الجامعي.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق