الخميس، 24 أغسطس 2023

أغسطس شهر المخرج حسين كمال.. الباحث عن سينما الناس

 

 


عماد خلاف

لم يكن أحد يتخيل أن الشاب الذي درس التجارة بتعليمات من والده  سوف يترك كل شيء من أجل محبوبته السينما التي عشقها بالصدفة، عندما قرر المسئولين الإدرايين في المدرسة التي كان يدرس بها قيام الطلاب بزيارة أستديو سينما، ومن هنا بدأت الحكاية السينمائية لـ حسين كمال، وظل مخلصاً لها حتي النهاية.

تركيبة المخرج حسين كمال الجينية المعقدة التي تنحدر من أم يونانية وأب صعيدي مصري جعلته حائراً بين الخضوع والتمرد، حتي زرعت والدته داخله بقعة النور التي أضاءت حياته وحولته من شخص تابع لأب رافض أن يعمل نجله في السينما إلي المتمرد الأكبر علي الرجل الصعيدي المتزمت، من هنا وضع المخرج الشاب قدمه علي أول الطريق  وجعلت من حسين كمال رائد الواقعية، وراح يتنقل مابين الفيلم السياسي في «شيء من الخوف»، والفيلم الغنائي في «مولد يا دنيا»، ومسرحية «ريا وسكينة» هذه المسافة الشاسعة بين هذا وذاك جعلته يتقن إخراج أي حكاية فالموهبة راسخة في العقل والوجدان.

راح إلي فرنسا ودرس الإخراج والتمثيل هناك وعاد بلا عمل في عام 1954، وعن دراسته للتمثيل يقول حسين كمال أنه فعل ذلك حتي يكون قادراً علي قيادة الممثل، لتكون بدايته مع قصة للكاتب الدكتور مصطفي محمود ويتم تحويلها إلي فيلم بعنوان «المستحيل» عام 1965 ويحتل هذا الفيلم المركز رقم 62 في قائمة أفضل مائة فيلم في ذاكرة السينما المصرية حسب إستفتاء النقاد، ليقود حسين كمال مجموعة من الممثلين ومن أبرزهم كمال الشناوي، ونادية لطفي، وصلاح منصور، وكريمة مختار، وسناء جميل، وملك الجمل، وفتحية شاهين، القصة التي حولها إلي فيلم حسين كمال تبدو قصة الكثيرين في ذلك الوقت من الشبابـ، عندما يجبر الأب نجله علي الزواج من فتاة لا يحبها، سيطرة الأب كانت واضحة خلال أحداث الفيلم لكن التمرد علي حياته المملة بدأ من خلال زيارة الحانات والبحث عن الحب ليجد العشيقة  لكنها هي الأخري متزوجة، هذا الطريق المسدود بين العاشقين جعل المستحيل هو الطريق الوحيد الذي لا مفر منه، ليكون مشهد النهاية مخيب جداً عندما تهرب العشيقة ومن ورأها العشيق ليطفيء مصباح الكهرباء ليكون الظلام هو السمة المصاحبة لنهاية الفيلم.

  هذه البداية القوية وضعت حسين كمال في مرتبة أخري لدي النقاد حيث استقبلوا الفيلم بحفاوة كبيرة، ووضعوا الأسئلة كان من بينها هل سيستمر هذا المخرج في تألقه أم سيختفي، ولم يمر عام إلا وينطلق قطار الموهبة عند حسين كمال في فيلم هو الأجدر في تاريخ السينما  حيث حول قصة للكاتب الكبير يحيي حقي بعنوان «دماء وطين» في عام 1968 ليطلق علي الفيلم عنوان  «البوسطجي» سيناريو وحوار صبري موسي، بطولة شكري سرحان، وزيزي مصطفي ، وصلاح منصور، وسيف عبد الرحمن، وسهير المرشدي، وعبد الغني قمر، ويحتل الفيلم المركز 12 في قائم أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب رأي النقاد.

ولم يمر عام إلا ويطلق حسين كمال القنبلة في وجه الجميع، ويحول رواية «شيء من الخوف» للكاتب ثروت أباظة إلي فيلم في عام 1969، ويمنع الفيلم لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر، ويستقبل النقاد الفيلم ويشيد الكاتب محمود عبد الشكور بالفيلم من خلال كتابه الذي جاء بعنوان «كيف تشاهد فيلما»، ويختار صورة من الفيلم تجمع الفنانة شادية ومن وراءها يظهر الفنان محمود مرسي، ويعلق علي زوايا الصورة مؤكداً أن حسين كمال أنحاز إلي قؤادة، علي الرغم من أن شادية ضئيلة في الواقع مقارنة بمحمود مرسي، فإن اللقطة القريبة جعلت من وجهها يحتل مساحة أكبر في الكادر، وحاصرت عتريس في زواية ضئيلة تشغل بالكاد المساحة الثلث تقريباً، اللقطة تقول إن فؤادة التي  أجبرت علي الزواج من عتريس أقوي ممن أجبرها، هو الذي يبدو ضعيفا حائرا أمامها، كما أن فؤادة وهي تسير مرفوعة الرأس تعبير عن أصرارها علي رفض ما يفعله عتريس.

تحت عنوان إحنا بتوع الأتوبيس مقدمة في الفيلم السياسي هاجم الناقد الكبير سامي السلاموني السينما المصرية بأنها لم تكن محايدة في تناولها للتاريخ وإن لها موقف غير أخلاقي مبرراً ذلك بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تهاجم فترة سياسية معينة إلا بعد رحيلها، مؤكداً أن فيلم إحنا بتوع الأتوبيس جاء بعد انتهاء المرحلة السياسية  وبني فاروق صبري السيناريو له من كتاب جلال الدين الحمامصي  وإخرجه حسين كمال، وما جعله يشعر بالاكتئاب بعد مشاهدة الفيلم هو أنه ينطلق من مواقف حدثت بالفعل لكنه مع ذلك لم يرحب بالفيلم لأنه جاء متأخراً بعد رحيل النظام السياسي.

سامي السلاموني وصف حسين كمال بأنه مخرج جيد يملك أدوات سينمائية جيدة، ثم هو مخرج متميز في إطار الإنتاج التجاري للسينما المصرية الذي لا يحاول من خلاله أن يبتذل نفسه لكنه يعود مرة أخري ويهاجم المخرج قائلا: من حظ حسين كمال بالذات مخرج الأتوبيس إنه هو نفسه مخرج شيء من الخوف الذي قال مؤلفه ثروت أباظة إنه كان يهاجم بالرمز الممكن الوحيد في تلك الفترة، وكان نظام عبد الناصر هو حاضر وإن عتريس هو عبد الناصر وفؤادة هي مصر، ولكن الناقد السلاموني يعود الفضل لثروت أباظة الذي ينطلق من موقف سياسي واضح معلن، ولكن لا أعتقد أن حسين كمال في كلا الفيلمين معاً كان ينطلق من أي موقف سوي البحث عن مادة سينمائية مثيرة تسمح له بصنع فيلم جيد، العبارة الأخيرة التي كتبها السلاموني قد تبدو قاسية جداً علي مخرج بحجم حسين كمال، وأن كنت أعتقد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون النجاح وليد الصدفة وإذا لم يكن حسين كمال له وجهة نظر فلم يكن  لدينا مجموعة كبيرة من الأفلام من بينها البوسطجي والنداهة وإمبراطورية ميم والعذراء والشعر الأبيض وغيرها من الأفلام التي تعتبر علامة في تاريخ السينما المصرية.

شارك حسين كمال في 47 عمل سينمائي أكثرهم روايات أدبية تم تحويلها إلي أفلام لمبدعين كبار من بينها المستحيل للدكتور مصطفي محمود، والبوسطجي يحيي حقي، كما قام بتحويل تسع روايات للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس من بينها أبي قوق الشجرة، ودمي ودوموعي وابتسامتي، ولا شيء يهم، وإمبراطورية ميم، وأرجوك أعطني هذا الدواء، والعذراء والشعر الأبيض، وأيام في الحلال، أما الروائي نجيب محفوظ فقد تعاون معه في بعض الأفلام وقام بتحويل رواياته إلي أفلام من بينها ثرثرة فوق النيل والحب تحت المطر والكاتب يوسف السباعي نحن لا نزرع الشوك، ومولد يا دنيا وحبيبي دائما والكاتب يوسف إدريس علي ورق سوليفان والنداهة،  وأبي فوق الشجرة وأنف وثلاث عيون.

حرص حسين كمال خلال مشواره الفني أن يكتشف الفنانين حيث ظهر محمود ياسين في فيلم «شيء من الخوف»، ويحكي المخرج عن اختياره له قائلا: محمود قال ست جمل فقط خلال الفيلم وكان أخرها جملة «والله ولبستني جلابية العيب  يا شيخ إبراهيم» وقولت له لو نطقت هذه الجملة كما أريد سوف أعمل منك أكبر نجم في مصر ساعتها بكي، ومحمود ياسين قال سأظل مديناً لحسين كمال طول عمري، وبشكل محدد فإن حسين كمال لعله المخرج الوحيد الذي يعلم عني ما لا أعلمه أنا عن نفسي، ويعرف ما أستطيع أن أقدمه أكثر مما أعرف أنا.

كما اكتشف عادل إمام في مسرحية ثورة قرية بالإضافة إلي سعيد صالح، واختار الفنان فاروق الفيشاوي ليشارك في فيلمه الأول «أرجوك أعطني هذا الدواء» والذي حصل الفيشاوي علي الكثير من الجوائز وأيضا فيلم «ديك البرابر» الذي تقمص فيه فاروق شخصية متخلف.

حسين كمال وصف فيفي عبدة بالست الشعبية القادرة علي مضغ اللبانة، وزاد عليها عبارة أخري قائلا: تطرقع بيها وكان يقصد اللبانة، مؤكداً أنه لا يوجد مثل تحية كاريوكا في فيلم شباب امرأة، كان نفسي أري معلمة وفيفي عدة كذلك قادرة علي لف الملاية علي وسطها، وتسير في الحارة وتهدها بجمالها مما جعله يستعين بها في فيلم "نور العيون".

حسين كمال مخرج ولد في17 أغسطس 1934 وتوفي في 23 مارس عام 2003، وأخرج مسرحية ريا وسكينة، ومسرحية الواد سيد الشغال، وعلشان خاطر عيونك، وفيلم نحن لا نزرع الشوك، وثرثرة فوق النيل، وأنف وثلاث عيون، والنداهة، وغيرها من الأعمال الفنية.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق