الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

عماد خلاف يكتب.. بيت الروبي.. فيلم مكتوب بالمقلوب



عندما نجد اسم كريم عبد العزيز علي أفيش فيلم ما، لابد أن نهرول ونبحث علي كرسي داخل شاشة السينما لنري ما سيقوله هذا الفنان الذي يحمل الكثير من التميز، لكن ليست الأسماء وحدها تكفي، ولا الإيرادات علامة تميز، تاريخنا مليء بالأفلام الجيدة التي سقطت في دور العرض، لكن أعيد اكتشافها مرة أخري بعد فترة من الزمن.

نحن أمام فيلم تضافرت عناصر نجاحه من أول المخرج بيتر ميمي خريج كلية الطب الذي احترف الكتابة ومعها الإخراج، وفي فترة زمنية قصيرة فرض علينا جميعاً وراح يتنقل ما بين السينما والدراما التليفزيونية، كأحد الوجوه الشابة الذي جاءت لتحريك المياه الراكدة وطرح مشاكلهم كجيل جديد، مع وجود كريم محمود عبد العزيز ونور وتارا عماد ومن بعدهم تأتي أسماء أخري ليست بنجومية هؤلاء الأربعة، وقرروا أن يطرحوا لنا فكرة قد تبدو في ظاهرها الجدية وهي مناقشة ما تفعله السيوشيال ميديا في البشر، أو بمعني أصح السعي وراء الترند أو الفضائح.
ألفريد هيتشكوك المخرج البريطاني العظيم كان دائما ما يقول هناك ثلاث أشياء لصناعة فيلم جيد هما السيناريو، والسيناريو، والسيناريو، وعلي الرغم من قوة الفكرة إلا إن المخرج لم يكن جاد في طرحه بل راح يتلاعب بالبطل والممثلين دون أن يقول شيئا، وبقي السؤال هل نبتعد عن السيوشيال ميديا أم نظل قابعين أمام شاشة المحمول؟ وتوهنا ولم يكن هناك سبب واضح لهذه النظرية السطحية لأحد أهم مشاكل العصر التي نواجهها جميعاً الأن، كما أن السيناريو مليء بالثرثرة المتبادلة بين البطلين سواء من ناحية كريم عبد العزيز الذي حاول قدر استطاعته أن يرمي أفيه لعل الجالسين أمام الشاشة يضحكون مع كريم محمود عبد العزيز، الذي اجتهد علي أمل أن يجذب عيون المشاهدين له، لكن ما حدث كان العكس.
سبع سنوات قضاها الدكتور إبراهيم الروبي هو وزوجته وأطفاله في دهب بعيداً عن ضوضاء العاصمة القاهرة، وهي فترة ليست بالقصيرة حتي يتم ترديدها من البطل في جملة عابرة، دون أن نفهم ماذا كان يفعل خلال هذه الفترة؟ علي الرغم من أن لديه طفلين، وأقام منزل أمام البحر مباشرة، إلا لو اعتبرنا أن ما مر من مشاهد قليلة كان من الممكن التغاطي عنها، ليأتي إليه أخيه إيهاب الروبي وزوجته المغرمة بالسيوشيال ميديا ليذهب معه إلي القاهرة ويبيع نصيبه في منزل العائلة حتي يتمكن من التوسع في محل الكوافير، وبالفعل يأخذ الدكتور إبراهيم زوجته إيمان وأطفاله شريف وشمس ويذهب مع أخيه إيهاب الروبي وزوجته بهيرة، وأثناء السفر تحدث مشادات وخناقات بين سائقي السيارات والتأكيد علي حالة العنف والكره التي أصبح يعاني منها الشارع المصري وظللنا نسير في مشهد وراء الأخر حتي أقسمنا أن القاهرة مدينة بلا قلب، وأن الدكتور كان لديه كله الحق في الهروب وعائلته من هذه المدينة المليئة بالضوضاء، والأفعال الشاذة التي تجعل البطل ومن بعده المشاهدين يقتنعون أن ما فعله كان هو الصواب، إلي هنا البناء الدرامي محكم ويسير في خط متوازي مع قناعات البطل، لكن ما حدث بعد ذلك كان مخيباً فلم يكن المخرج ولا كتاب السيناريو يحملون وجهة نظر حقيقية.
مشاهد الخوف والتردد والانكسار والصعود كثيرة لدي البطل وزوجته وأبنة الصغير ومن بعده أخيه وزوجته، وما بين هذا وذاك يتورط الدكتور إبراهيم في النجومية التي وجد نفسه محاط بها بعد مجموعة من العبارات التي قيلت أثناء بث مباشر لزوجة أخيه، وتعجبه اللعبة علي الرغم من أنه رفضها من قبل إلا أن هذه المرة لم تكن لحظات انكسار بل شهرة ولم يحدث له كما حدث لزوجته وفضحتها السيوشيال ميديا، الطبيبة التي أخطأت أثناء عملية ولادة، وبعدها تبدأ عملية الهروب للعائلة إلي دهب، لتعود مرة ثانية ويكون الزوج هو النجم الذي يطارده المعجبين في كل مكان، ما بين شهرة ونجومية الدكتور إبراهيم يعود مرة ثانية إلي الانكسار بعد كشف حقيقته هو وزوجته الطبيبة ليتم إعادة الفيديوهات القديمة إلي العلن ويبدأ المنحني في النزول.
الدكتور إبراهيم رضخ وتنازل عن كل ما أمن به وهرب منه خلال سبع سنوات وعاد إلي المجتمع الذي رفضه بشروطه هو، وكأنه إداة يمكن تحريكها دون تفكير ووعي، هذه النظرة السطحية لقضية من أهم قضايا العصر يجعلها تفقد الكثير من أهميتها علي الرغم من جدية الطرح سواء من خلال المخرج أو السيناريو لكن النظرة المحدودة جعلت الفكرة هشة بدون أعمدة صلبة قوية، وعاد بيت الروبي إلي القاهرة مرة أخري بلا هدف حقيقي.
كان من الممكن أن يتم طرح الفكرة بالمقلوب علي أن يرفض الدكتور وزوجته هذه الغابة التي يأكل فيها بعضنا بعضا وهي السيوشيال ميديا، ويهرب من كل هذا إلي الهدوء والسكينة كما فعل يحيي الفخراني في فيلم «خرج ولم يعد» للمخرج محمد خان، الذي ترك المدينة بكل ما فيها واختار الريف ليكون الملاذ الأخير له من ضوضاء المدينة وصراعاتها ومشاكلها التي حاصرته، في هذه الحالة يكون لدينا قناعة ومباديء نؤمن بها وأفكار قوية نحارب من أجلها وليس الرضوخ كما فعل البطل في فيلم بيتر ميمي فلم يكن يحمل أي أفكار ولا وجهة نظر ولا حلول للمشكلة التي نعاني منها كثيراً وهي الفضائح التي تلاحق الجميع علي السيوشيال ميديا ليعود خائباً دون أن يكون معني لهروبه سبع سنوات هو وعائلته الصغيرة، كان من الممكن أن يكون مشهد البداية هو النهاية أو يكون لدينا حلول من خلال أحداث الفيلم.
كلمة أخيرة مشهد الولادة في الطريق المزدحم في نهاية فيلم بيت الروبي منحوت من فيلم تيتة رهيبة بطولة محمد هنيدي وإيمي سمير غانم وسميحة أيوب وباسم سمره ومن تأليف يوسف معاطي، وإخراج سامح عبد العزيز، دون أن يضيف بيتر ميمي إلي المشهد الأخير أي بصمة من عنده فلم يكن لديه شيء أخر يقوله بل استسهل النقل كما فعل في السيناريو دون وجهة نظر حقيقية جاهد من أجلها.
قد تكون صورة ‏‏‏٦‏ أشخاص‏ و‏نص‏‏
كل التفاعلات:
أنت، ومروة عبد الله، وMona Karem و١٩ شخصًا آخر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق