الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

فن التزويغ من كمسري القطارات

 

صورة أرشيفية 


عماد خلاف

أنا من الجيل الذي عاش "سفلقة" علي حساب الحكومة تعلم في مدارسها المجانية وركب قطاراتها بدون أن يدفع جنيه، حتي يوم ما فكرت أذهب لدرس خصوصي في المدرسة الثانوية اعطيت لمدرس العربي علبة سجائر "جولد كوست" وقطعة قماش حرير كان أبويه جايبها من الخليج، ومن يومها وأنا "سايق الهبل علي الشيطنة" حتي أصبح التزويغ أدمان يومي، وأسلوب حياة، وصنعت تجاربي بنفسي،  وخبرتي قائمة علي الاحتكاك اليومي والمعتاد مع البشر "اللي علي كل صنف ولون"، ولأني طول  العمر راكب قطار درجة أولي مكيفة، قررت والنية علي الله أعطي خبرتي القليلة في فن التزويغ من الكمسرية في القطارات كمرحلة أولي، مع التأكيد أن العبد لله موسوعة متنقلة ولديه خبرة عميقة ومتأصلة في كل شيء ومحفورة في الذاكرة وسوف اتلوها حتي يستفيد منها الداني والقاصي من عباد الله المنتشرين في ربوع المحروسة، فخبرتي صنعتها تجارب التزويغ والمرمطة.

عشرين سنة كاملة عشتها في التزويغ من الكمسرية في القطارات، عاشق ومتيم ومغرم بـ "فلنكات السكة الحديد" وحافظها  فلنكة فلنكة، ومتي يهدي سائق القطار ومتي يقف لركوب زميله المنتظر في قرية عرب الرمل،  أي بمعني أصح ليس كل من ركب القطار، أستاذ، الركوب والنزول متعة ما بعدها شيء، كله يهون في عشق الفلنكات.

والفلنكات كالبشر منها الحديد والخشب والمكسور والمبتور، ومنهم المستجد والأستاذ فهم علي كل شكل ولون، ولو كنت  غاوي تزويغ من الكمسرية في القطارات، وناوي تصك سكك حديد مصر علي قفاها، عليك اتباع مجموعة من النصائح المجربة "اللي قام بيها العبد لله" وعليها ضمان عام كامل تبرطع وتركب القطار "سفلقة" علي حساب الحكومة "رايح جاي" ولو ناوي تعزم أصحابك علي ركوبة "ببلاش" من غير ما تدفع مليم واحد، عليك وعلي سكك حديد مصر، ولكن قبل أن تكون أحد عملاء وراكبي السكة الحديد ومختوم بختم شعار الجمهورية "س ح م".

قبل أن تركب القطار فهناك طرق عديدة للتزويغ، فهناك الكمسري "الرخم" والغلس" والطيب، والشرير، والغائب طول المحطات، فأذا كان الكمسري من النوعية الأولي المعروفة بالرخم ما عليك إلا أن تضع يدك في جيبك وأخرج أي كارنيه حتي لو كان كارنيه نادي مركز شباب"عزبة كفر محمود" المهم أن عيونه تقع علي شيء مربع ومكتوب عليه اسمك وصورتك، وقبل أن تقع عيونه علي الكارنيه اسحبه بسرعة وضعه في جيبك، وخلي عيونك مركزة علي عيونه، ولو صمم أخرج الكارنيه تاني مع تكرار نفس الحركة، وكرر جملة ما خلاص "ياريس" المصريون مدمنون وعاشقون لهذه الكلمة، الأبتسامة سوف تملآ وجهه ويلفت لأخد غيرك.

أما لو الكمسري من النوعية الثانية والمعروفة بالشرير، حاول بقدر الإمكان تكسب وده، بمعني أن لما يقرب منك أفضل اسأل الركاب جنبك هو القطار "رايح فين" إسكندرية مثلا،  أضرب أيدك علي وشك مع رسم تكشيرة عريضة علي ملامحك، "يالهوي أنا رايح بني سويف" أنا ركبت غلط، كرر الجملة عشرين مرة "أنا ركبت غلط" طبعا الناس سوف تتعاطف معاك، والكمسري من بينهم، وسوف يقترح عليك أحد الوافقين أن تنزل في محطة  بنها، وترجع تاني، من المؤكد ساعتها أنك عديت من رخامة الكمسري، ولم تدفع جنيه واحد، ووصلت بيتك ببلاش.

 وهناك حقيقة مؤلمة يهرب منها الجميع أن أغلب راكبي قطارات الدرجة الثانية "اللي بيقولوا عليها مميزة" غاوين تزويغ ما بين الرمي علي أرفف العربة بدل "الشنط" والنوم ببلاش، ولو فضل الكمسري ينادي عليه ويزعق ويشخط في صاحبنا المزوغ ويشخط فيه ويحرك جسمه بأيده وهو عامل نفسه من بنها ونايم وبيشخر كمان ومرمي فوق وفارد جسمه، ولبس الحذاء ومليان طين، وقبل أن يطلع ويرمي نفسه فوق، "الجزمة بتاعت سلامته تفضل توزع الطين الملزوق فيها علي قفا الجالسين علي الكراسي بالإضافة إلي لطعه من حذائه علي ملابسهم وغيرها من التصرفات الغريبة والعجيبة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق