الجمعة، 29 أكتوبر 2021

الملحن الذي نافس سيد درويش وضربه علقة ساخنة

 

فنان الشعب سيد درويش


عماد خلاف

كان من أنبغ ملحني عصره، ومنافسًا قويًا للموسيقار الذي تألق وارتبط اسمه بثورة 1919 فنان الشعب «سيد درويش»، فإذا اختلف نجيب الريحاني مع سيد درويش فلا يسد فراغه سوى «إبراهيم فوزي»، الملحن الذي جاء من الإسكندرية إلى القاهرة بعد أن ضاقت به الدنيا، وهو في عمر الـ 16 عامًا، إلى أن أعجب به فنان يدعي حسين الكافوري وكان يمتلك "تياتروا" من "التياتروات" المتنقلة التي تجوب أنحاء مصر، كما تعرف على الموسيقار كامل الخلعي، الذي أعجب به وقربه إليه وتتلمذ على يديه.

إبراهيم فوزي، الملحن والممثل الذي نافس سيد درويش وكامل الخلعي ودواد حسني في التلحين، بالإضافة إلى قدرته على تقمص الشخصيات والتحاقه بالفرق المسرحية، ورغم منافسته لملحني عصره، وقيامه بتلحين مئات الأغاني للمسرح والسينما والإذاعة إلا أنه عاش مغمورًا ومنسيًا ومهملًا.

وكان لإبراهيم فوزي العديد من المواقف التي تروى عنه، من بينها العلقة السخنة التي تلقها من فنان الشعب سيد درويش، عندما اقتبس منه لحن من ألحانه.

ويحكي فوزي عن تلك الحادثة قائلًا: «قديمًا معروف عن شارع عماد الدين أنه واجهة الفنانين والمبدعين، ويطلق عليه شارع الفن، إذا كان مزدحمًا بالمسارح التي كانت محتشدة بالفرق التمثيلية، وكان من أشهر هذه الفرق فرقة أمين صدقي وعلي الكسار بيتاترو «الماجستيك»، وفرقة نجيب الريحاني بتياتروا «الإجبتسيان».

وكانت المنافسة شديدة بين الفرقتين وكانت الفرقة الأولي تستعد لإخراج رواية «قولوا له» ويلحنها سيد درويش، كما كانت فرقة أمين صدقي وعلي الكسار، تستعد لعمل بروفات لرواية «مرحب» تلحين إبراهيم فوزي.

ومعروف عن سيد درويش أنه دائم التلحين خارج القاهرة، وحتى يتسنى له تلحين الرواية سافر إلى المنصورة وأخذ معه الفنان «فهمي أمان»، وبينما هما سائران في أحد شوارع المنصورة رأى رجلا يبيع الروائح والسبح، وينادي على بضاعته بصوت جميل، ويقول: «بمال مكة بمال المدينة ومال المدينة مال الحجاز»، فأعجب سيد درويش بصوته وطريقة مناداته والنغمة التي ينادي بها، فمشى وراءه مدة طويلة إلى أن حفظ اللحن فقام بكتابته وأرسل فهمي أمان إلى «بديع خيري» ليكتب كلمات علي الوزن الأغنية التي كان يغنيها البائع المتجول.

وبالفعل قام بديع خيري بتأليف كلمات جديدة وكانت عبارة عن «مليحة قوي القلل القناوي» بعد أن أدخل عليها درويش بعد التعديلات عليها، وحضر إلى القاهرة وقام بتحفيظ اللحن لفرقة الريحاني،

مليحة قوى القلل القناوي

رخيصة قوي القلل القناوي

قرب حدانا وخد قلتين

خسارة قرشك وحياة ولادك

ع اللي ماهواش من طين بلادك

ده أبن بلدك ما يبلفكشي

ما تعدموشى ولا يعدمكشى

دمك من دمه ما يفرقكوا شيء

بالصدفة دخل إبراهيم فوزي الملحن ومنافس الشيخ سيد درويش إلى مسرح الإجيبسيان، أثناء البروفة فأعجب كثيرًا باللحن واستساغ الجملة الموسيقية وحفظها وكتب الكلمات الخاصة باللحن وخرج مسرعًا إلى مسرح الماجستيك المجاور لمسرح الإجيبسيان، وقابل أمين صدقي وأعطاه الكلمات ليضع عليها كلمات أخرى تتفق مع رواية كتبها وتم تلحينها، وبينما سيد درويش يشاهد رواية «مرحب» إذ به يفاجأ بنفس الجمل الموسيقية التي وضعها للحن «مليحة قوي القلل القناوي» لإبرويت "قولوا له"، وهنا ثار سيد درويش وخرج مسرعًا للبحث عن إبراهيم فوزي في شارع عماد الدين ومقاهيه.

وبعد "لف ودوران" أخيرًا وجده، جالسًا في مقهى «أوستراليان باروكان» ساعتها أمام مسرح الماجستيك فأمسك به وألقاه على الأرض وأشبعه ضربًا ورفسًا».

ومن أغرب الأمور أن يستمر تقديم رواية «مرحب» 6 شهور على التوالي أمام رواية «قولوا له» الذي لم تتجاوز الثلاثة أسابيع .

لحن إبراهيم فوزي ما يقرب من 200 مونولوج، من بينها «يا خولي الجنينة» ويا «مهلبية» لمحمود شكوكو، «ويا حالا بالا هنوا أبو الفصاد هيكون عيد ميلاده الليلة أسعد الأعياد»، بالإضافة إلى تلحينه لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فقد جمع بين التأليف والتلحين والغناء، وخفة الظل وكانت الابتسامة لا تفارقه أبدًا.

ومن نوادره أيضًا أنه كان يعمل بفرقة الكسار بالإسكندرية ممثلًا ومعه زميله الفنان محمد أدريس بمسرح الهمبرا، ولظروف انتهت الحفلة في وقت متأخر وفي منتصف الليل ذهب الزميلان "أدريس، وإبراهيم"، للبحث عن طعام العشاء، فلم يجدا سوى رجل يبيع الكبدة، فأخذ كل واحد منهما رغيف وبقرشين كبدة، وتناولا طعامهما في الطريق علي الماشي، ولكن الكبدة كانت كأنها كاوتشوك، فقال أدريس.. إيه الكبدة دي يا إبراهيم؟

فقال له .. دي كبدة أبريل.

وفي إحدى الحفلات كانت فرقة يوسف عز الدين تقدم رواية العمدة، وكان يوسف يمثل دور العمدة، وإبراهيم فوزي يتقمص شخصية شيخ الغفر وأثناء الحوار، قال العمدة لشيخ الغفر، يا هريدي عليَّ بالغفر، وكانت ضحكات الجمهور عالية، فقال له عز الدين، تفضل أنت ضحك الناس وبلاش أحنا سي إبراهيم.

رغم كل هذا ظل إبراهيم فوزي منسيًا، لا يعرفه الكثيرون رغم أنه ترك وراءه العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية الكثير، وعلينا أن نتذكره فقط في مشهد «نيرون وهو يحمل الفانوس» في أغنية «العقلاء» بفيلم «المليونير» لإسماعيل يس،  بالإضافة إلى تأسيسه عام 1943 أول نقابة لـ «العوالم» تضم كل الفنانات التي تقمن بإحياء الأفراح لتصبح بعد مرور الوقت أول تجمع للفنانين والمطربين والممثلين، ليظل إبراهيم فوزي أحد رواد التلحين في مصر والوطن العربي، ولكنها الشهرة الملعونة التي تلتقط اسمًا وتترك الآخر مع أننا لو بحثنا لنجد الكثير من عينة فوزي الذي ظلمته الشهرة وتركته وحيدًا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق