الخميس، 21 أكتوبر 2021

إسماعيل يس والمشير



إسماعيل يس

 

عماد خلاف 

لن يعود إسماعيل يس إلى الحياة مرة ثانية لينسج من جديد كوميديا قادرة على رسم البسمة على وجوه الجميع، لكنه بكل تأكيد سوف يظل عملاقًا قادرًا على تلوين حياتنا بالضحك، الكل حاول ركب الموجة، لكنهم سقطوا، كل من جاءوا بعده حاولوا مرارًا، وتبقى الحكايات التي تروى عنه خير دليل على أنه عملاق من عمالقة الكوميديا في الوطن العربي.

من بين هذه الحكاوي، التي لا تحصى عندما روى إسماعيل يس معاناته اليومية، التي استمرت لشهور طويلة مع المشير عبد الله السلال الرئيس اليمني، حيث كان يرقد مريضًا في مستشفى المواساة بالإسكندرية، وظل يسافر يوميًا ما بين القاهرة والإسكندرية، وكانت العربة تنتظره يوميًا بعد انتهاء العرض المسرحي في القاهرة، لتنقله إلى حيث يرقد المشير السلال بالمستشفى، ولا يهمه إذا كان إسماعيل يس نام في الطريق أم لا، المهم أن يهون عليه المرض ويجلس بجواره ويلقي عليه بعض النكات، ومعروف عن إسماعيل يس أنه كان يؤلف النكت والقفشات لنفسه، وكان دائم الخروج عن النص في مسرحياته، إلا أن الغريب في أمر المشير السلال، كان يطلب من إسماعيل يس أن يردد نكته واحدة كل ليلة بشكل دائم ومستمر دون تغيير، وكان إسماعيل يضيف بعض الحركات مع تعبيرات «البوق» الذي كان يتميز بها خلال مشواره الفني، ورغم التكرار كان المشير يضحك كل ليلة حتى مل إسماعيل وزهق ولم يزهق المشير.

وظل عذاب إسماعيل يس اليومي مستمر في تكرار النكتة الواحدة أكثر من مرة، ويضيف تفاصيل وحركات من عنده، واقترح إسماعيل أن يسجل النكت على شريط يسمعه المشير حتى لا يسافر من القاهرة إلي الإسكندرية كل ليلة، ورفض المشير السلال، لماذا؟ قال: إن إسماعيل يس عندما يحكي النكتة فإنه يتحرك، كل شيء فيه يتحرك دماغه، وفمه ويداه، وأهم من كل ذلك كرشه.

ويحكي إسماعيل أنه قرر ألا يذهب بلا نكت قديمة ولا جديدة حتى جاءه أحد ضباط الأمن وقال: الرئيس عبد الناصر يرجوك أن.. وقبل أن يكمل ضابط الأمن عباراته رد عليه إسماعيل يرجوني الرئيس يا خبر أسود.. دا أنا أروح عريان ملط يا راجل.. وإذا السلال لم يضحك، فحسب بل فتح فكيه، وحشرت النكت في حلقه حتى يموت من الضحك.

وظل إسماعيل على هذه الحالة حتى فوجئ بكبار المسئولين في دولة اليمن يستقبلونه بحفاوة بالغة، وردد المشير عبد الله السلال الرئيس اليمني عبارات يثني فيها علي إسماعيل قائلا: أنت لا تعرف يا أخ إسماعيل، وأنا قلت هذا الكلام لفخامة الرئيس عبد الناصر، أنه من فضل الله أن خلق لنا إسماعيل يس، فلولاه لكانت حياته كئيبة، وربما حياة كل المصريين والعرب، وأن أعرف أنني قد أرهقتك كثيرًا، وأجدد شكري العميق وامتناني لك، وأرجوك وأتوسل إليك ولأخر مرة أن تقول النكتة التي حكيتها لي مائة مرة فلم أتوقف عن الضحك.

فصرخ إسماعيل: يا نهار أسود يا مشير.. نفس النكتة.

أرجوك.

هذه الحكاية رواها ودونها الكاتب الكبير أنيس منصور، وكان معروفًا عنه أنه غاوي مقالب في زملائه الصحفيين، وكان على علاقة قوية بإسماعيل، وكان يألف النكت ويقولها له حتى يلقيها إسماعيل على المسرح، بالإضافة إلى علاقته القوية بالرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان يعشق إسماعيل يس لدرجة كبيرة، ويؤمن بأهمية الفن والفنانين وقدرتهم على التأثير على المواطنين في الوطن العربي، لذلك أمر وزير الثقافة في ذلك الوقت بعمل مجموعة من الأفلام الكوميدية التي تحبب المواطنين في قواتنا المسلحة، وخرجت مجموعة كبيرة من الأفلام التي أخرجها فطين عبد الوهاب، إسماعيل يس في الجيش، وإسماعيل يس في الأسطول، وغيرها.

لا يمكن أن تنمحي من ذاكرة الملايين ولا من ذاكرة الأجيال الماضية ولا القادمة، البهجة التي رسمها الفنان "العملاق إسماعيل يس" وأشاعها في حياتنا جميعا.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق