الخميس، 14 أكتوبر 2021

هل رأيت محمد عبد الوهاب ناقداً من قبل؟

 

سيد درويش ومحمد عبد الوهاب

عماد خلاف

مات  فنان الشعب سيد درويش صغيرا لكنه ترك وراءه أرثا كبيرا من المقطوعات الموسيقية التي تؤكد علي موهبته الفذة، واعتبره الكثيرون أبا للموسيقي، وأحد أهم الموسيقين في القرن الماضي، لم يمهلهم القدر طويلا أن يبدعوا مع بعضهم البعض  سيد درويش ومحمد عبد الوهاب نظرا لوفاة الأول في عام 1923 وعبد الوهاب لازال في مطلع العشريينات من عمره، ورغم موته في سن مبكرة لكنه ثار علي القديم وترك لنا مقطوعات موسيقية خالدة.

 في عام 1921 اختار الشيخ سيد درويش موسيقار الأجيال ليقوم بدور البطولة بدلا عنه في أوبرايت شهرزاد نظر لمرضه، وعن العلاقة بين فنان الشعب وبين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كتب  في مجلة الكواكب مقالا أبرز فيه عبقرية فنان الشعب قائلا:

مما لاشك فيه أن المرحوم الأستاذ الشيخ سيد درويش هو أول من وضع أسس النهضة الأولي للموسيقي المصرية، هذه حقيقة لا يمكن اغفالها والتاريخ يسجلها له معتزا فخورا ونقررها نحن معترفين بفضله وأثره.

أن سيد درويش كان أول من لفت العقل إلي المعاني في المقطوعات الغنائية المؤلفة، أعني أنه فهم المعني كلاما وأحاله إلي كلام منغم يطابق كل المطابقة ما يرمي إليه الكلام المؤلف.

ويسترسل محمد عبد الوهاب في شهادته عن فنان الشعب سيد درويش قائلا: لقد كان الغناء قبل سيد درويش لا يحتفل بالمعاني، وكنا نسمع غناء هو مجرد أظهار المغني ومقدرته بحركاته الصوتية في أداء النغمات وما كان هناك ما يلفتنا إلي المعاني في التأليف الكلامي.

ولكن سيد درويش نفض عن نفسه هذا القيد، وأرادت طبيعته المبدعة الثائرة أن تستحدث ألوانا جديدة في الغناء تغاير ما كان عليه لون الموسيقي في ذاك الوقت، فبدر أول ما بدر ألحانا تعبر بالموسيقي عن معاني الكلام كل التعبير، فنحن نحس بأحساس الجماعة حين نسمع أغنية "السقائيين، نحن أننا في غمار جماعة السقائيين حقيقة، وكانت نغماته كأنها تنبع من قلوب هذه الطائفة.

أن سيد درويش اتجه نحو الطوائف الشعبية المختلفة، فوضع لها في غنائه تعبيراتها واصطلاحاتها كان غناؤه ينبض بالعواطف التي تجيش بها صدور العمال والزراع والحمالين وغيرهم، لم نكن نسمع ألحانا تعطي صورة عن مقدرة الصوت في الحركات، ولكنا كنا نلمس عواطف الجماعات الشعبية حية تزخر بها ألحان سيد درويش.

ويكمل محمد عبد الوهاب مقاله عن سيد درويش مبرزا الصور العاطفية والحية لهذه الطوائف الشعبية مؤكدا أن سيد درويش من الناحية أول من صور المعاني العاطفية والحسية وأبرز أبرازا دقيقا أجواء هؤلاء الذين حفل بهم انتاجه الموسيقي من الطوائف الشعبية، وكأنه واحد منها هذه أبرز صورة فنية في الأطار اللحني لانتاج سيد درويش، ولكن لو امتدت حياة الموسيقار الراحل الخالد إلي الأن، فيكف كان يصل برسالته الفنية التي أمن بها وأفني نفسه في سبيل تحقيقها.

ويسترسل موسيقار الأجيال مشيرا إلي أننا في الشرق تأثرنا بأساليب الغرب، فملابسنا ونظمنا ومعظم تقاليدنا الأن تسير علي الأسلوب الغربي الذي سيطر علي حياتنا ومظاهر نشاطنا الاجتماعي والفني، ولا ضرر في هذا فالتأثر بالاتجاهات الأجنبية ومسايرة موكب النهضة العالمية شيء تحتمه سنة التطور.

وهكذا وجدنا اتجاها عاما جديدا فسرنا معه، ولبينا نداءهم وأدخلنا أساليب جديدة علي موسيقانا واقتبسنا من الغرب لنطعم انتاجنا الموسيقي، ولكن ليس معني هذا الاقتباس أن نحطم روحنا وجوهرنا ونتخلي علي طابعنا الشرقي.

علينا أن ندخل في الموسيقي الشرقية آلات جديدة نأخذها عن الغرب، لتعاون علي أداء الأنغام وأبرازها بشكل أوفي، وعلينا أن ندخل في ألحاننا أنغاما جديدة، وأن نلجأ إلي التوزيع الموسيقي، وأن نترجم بالموسيقي عن عواطفنا الأصيلةن فتكون مخلوقا شرقيا صميما وأن بدت في ثبات غربية.

ولقد قلت أن سيد درويش ثار علي التقليد واختط لفنه طريقا جديدا لم يسبقه إليه أحد فهو مبتدع لا يقبل أن يقبس أسلوبا واتجاها، ولا يقبل أن يطعم انتاجه الموسيقي بأي أسلوب أو اتجاه سبق لغيره أن طرقها، لهذا يصعب علينا أن نقرر قبول سيد درويش للاقتباس الفني لو كان حيا إلي اليوم.

وكانت عبقرية سيد درويش تظهر في روعتها عندما يلحن الكلام المكتوب فيصور ما فيه من المعاني ويضفي عليها الجو الملائم لها، ولهذا برع في تلحين الروايات المسرحية الغنائية، فلو عاش إلي اليوم، لحمل لواء المسرح الغنائي، وأقام نهضة رائعة للأوبريت، فقد كان هذا موضعه الصحيح الذي يتفق مع مقدرته ومواهبة.

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق