الخميس، 7 أكتوبر 2021

المليونيرة التي تزوجت المشخصاتي والمنولوجست

 

عائشة فهمي ويوسف وهبي


عماد خلاف

لم يكن أحد يتخيل أن المليونيرة، صاحبة القصر «الرخام الوردي» في الزمالك، وسليلة الطبقة الارستقراطية، سوف تتنازل وتتكرم وتتزوج المشخصاتي «يوسف وهبي»، الذي تكبره بستة عشرة عامًا، الذي أحبته وعشقته لدرجة أن تطلب الطلاق من زوجها الدكتور «أحمد سعيد»، وتدفع له مائة ألف جنيه حتى تحصل علي حريتها وتتزوج من فنان الشعب، ومنذ إعلان الزواج في عام 1930 ، انطلقت معها حملة تهاجم عقد القران.

رغم حالة الانبهار التي كانت تصاحب المشاهدين والمتابعين، وتحديدًا الفاتنات من أصحاب الطبقات العليا، لم تشفع موهبته ولا نجوميته لفنان الشعب، التي جعلت الكثير منهن يتهافتن عليه ويبحثن عنه، «نتزوج منهم (المشخصتية) لا وألف لا».

«عائشة فهمي» التي حاربت وناضلت من أجل هذه الزيجة، ووقفت أمام العائلة حتى تقنعها، بعراقة عائلة يوسف بك وهبي، ووالده خريج الزراعة من جامعة أكسفورد، ويحمل لقب باشا، وكان يعمل مفتشًا للري في الفيوم وعائلته من كبار ملاك الأراضي الزراعية، لكنها فشلت في أقناعها، علي الرغم من أن يوسف وهبي قد افتتح مسرح رمسيس في 10 مارس سنة 1923، ونجح نجاحًا هائلًا استمر 10 سنوات كاملة، وكانت العائلات المصرية والأسر الكبيرة تحجز "بناوير" المسرح كلها بمبلغ 44 جنيهًا في مقابل مشاهدة العرض مرة واحدة كل أسبوع، وظهرت سوق سوداء ومضاربة وسباق على حجز "البنوار رقم1" الملاصق لخشبة المسرح، وكان يوسف ساعتها محط أنظار النساء والفتيات من الطبقات العليا، وحتى يلتفت إليها يوسف وهبي قامت المليونيرة العاشقة «عائشة فهمي» بحجز البنوار رقم واحد ودفعت 400 جنيه لكي لا يجلس فيه غيرها.

ومع بداية عام 1930 تزوجت عائشة من فنان الشعب وسافرا إلى باريس وعادا ليقيما في قصر «الرخام الوردي» في الزمالك، التي ورثته عائشة من أخيها علي كامل فهمي، الذي قتل في ريعان شبابه، وتحول الاسم بعدها إلى قصر عائشة فهمي، واشتهر بهذا الاسم إلى بداية الستينات، حتى اشترته وزارة الثقافة، وخصصته للفنون التشكيلية، وأصبح يعرف حاليًا بمجمع الفنون.

ولأنها كانت عاشقة له ومتيمة به لم ترفض له شيئًا، وساعدته في إنشاء أول مجمع للفنون باسم مدينة رمسيس، على مساحة 17 فدانًا في الأرض، التي هي مدينة الأوقاف في المهندسين الآن، وتكلف إنشاؤها 500 ألف جنيه، ودعمته بشدة، وكانت تشمل المدينة أول دار سينما مكشوفة في الهواء الطلق سينما صيفي، سعة 400 مقعد، ومسرح كبير 3000 مقعد لفرقة رمسيس، ومسرح أصغر قليلًا ولونا بارك وملاهي، وكبارية واستديو، وسينما وساحة للعب ومحطة إذاعة محلية، كان يديرها شقيقه إسماعيل.

 بعد فترة شنت حكومة توفيق نسيم باشا في ذلك الوقت الحرب على يوسف وهبي لتنتزع منه المدينة، واستطاعت بالفعل بعد أن فرضت وزارة الأوقاف، صاحبة الأرض المقام عليها المدينة، على يوسف وهبي أن يشتري الـ 17 فدانا بـ 6 آلاف جنيه، ولكن لم يستطع توفيرها لأنه كان قد أنفق كل ما يملك في إنشاء المدينة، كما أن الأجور المرتفعة للممثلين والإنفاق ببذخ على الإعلانات والديكورات إلى جانب الحياة المرفهة ليوسف وهبي، قد قضت على الأرباح فأشهرت الحكومة إفلاسه، وانتزعت منه المدينة وهدمتها الحكومة.

وقال يوسف وهبي يومها إن إغلاق مدينة رمسيس اليوم فقط، أشعر أني أدفن كل أحلامي.

وبإغلاق المدينة بدأت المشاكل تحاصر يوسف وهبي من زوجته عائشة، التي كانت تغار عليه من المعجبات حتى أنها أصيبت بالهوس وجعلتها تطلق خلفه جواسيس وعيون تترصد وتضيق عليه حركاته، ورغم كل ما فعلته من أجله وقع في غرام سيدة أخرى تدعى «سعيدة منصور»، وهي كانت بمثابة ابنة وربيبة لعائشة فهمي، وسرعان ما تحولت العلاقة إلي حب وتزوجها يوسف وهبي، وهربت معه إلى بيروت.

وعندما علمت عائشة فهمي بهروب زوجها إلى بيروت بصحبة ربيبتها، طردته من قصرها ورفعت عليه دعوى نفقة وظلت تطارده في المحاكم حتى أعلن إفلاسه.

أما سعيدة التي تزوجها فقد كتب عنها قصائد حب في مذكراته التي جاءت بعنوان «عشت مائة عام».

بعد فترة قصيرة، قررت عائشة أن تنتقم من يوسف وهبي بالزواج من الفنان الفطري «شكوكو» الذي نال شعبية ضخمة في الأربعينيات والخمسينيات، لدرجة أن أطلق عليه لقب شارلي شابلن العرب،  وكان ردائه المميز الجلباب والطاقية الطويلة سببًا في نجاحه، وكان أميًا يساعد والده في محل النجارة، وبمجرد علم يوسف وهبي بزواج عائشة من شكوكو استشاط غضبًا، بالإضافة إلى المجتمع الأرستقراطي الذي رفض زواج سليلة الحسب والنسب من المنولوجست، ولكن ما قصم ظهر البعير عندما قامت عائشة بشراء السيارة الإنجليزية الفاخرة «بانتيللي» التي كان لا يركبها غير اللوردات والسفراء والأمراء، وكان أول فنان مصري يركب هذه السيارة في الأواخر الأربعينات، وأثار عليه الحقد وغل أفراد الأسرة المالكة وبعض أفراد العائلات الأرستقراطية وأجبروه على بيعها، ولم يهدأ يوسف وهبي لاعتلاء شكوكو نفس السرير الذي ضم أجساد النبلاء من القصر.

وظل يغذي الحملات المسعورة ضد الزوجين من النخب وبالفعل، طلق شكوكو عائشة في مشهد فريد، حيث دعا مجموعة من أصدقائه وحيد فريد، ومحمود فريد، وأبو السعود الإبياري، وأحمد عزت، زوزو شكيب، ونجيب خوري، وحضر إليهم محمود شكوكو على قهوة الأوبرا ومعه كلبه الضخم، وأقنعوه بأن يطلقها، وبالفعل حدث ذلك.

ولم يتعامل يوسف وهبي مع شكوكو بعدها في أي عمل فني أو يقابله في مكان، ولهذه الحكاية رواية أخرى سوف نرويها في وقتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق