الأحد، 19 سبتمبر 2021

الموسيقار زكريا أحمد يروي حكايته مع أم كلثوم عندما كان عمرها 15 عام

 



عماد خلاف

 نشر الموسيقار الكبير زكريا أحمد مذكراته علي صفحات مجلة الكواكب الفنية مؤكدا أن هذه الصفحات من مذكراتي وعن أهل الفن أكتبها للذكري والتاريخ، وقد تردد الموسيقار في نشرها خشية إلا يتسع صدر الفنانين لبعض ما جاء بها من ذكريات الماضي، ولكن الموسيقار قرر في النهاية أن ينشرها علي حلقات في المجلة حتي لا تضيع لأنها جزء لا يتجزءا من تاريخ الفن وبدأ زكريا أحمد حكايته الأولي عن كوكب الشرق أم كلثوم، وكيف تقابل معها عندما كانت في بدايتها.

يقول زكريا أحمد في مذكراته: عندما أعود بذكراتي إلي الوراء وأستعين بمفكراتي القديمة التي أحتفظ بها أجد أنني لم أسمع باسم أم كلثوم قبل عام 1920 ففي ذلك العام دعيت لإحياء شهر رمضان عند أحد تجار السنبلاوين وكان يدعي علي أبو العينين وقد عرفني به المرحوم الشيخ أبو العلا محمد الموسيقي المعروف ومحمد عمر عازف القانون، وقد أتفق معي التاجر المذكور علي أجر مناسب بشرط أن أغني بعد أنتهائي من تلاوة القرأن الكريم.

وذهبت للسنبلاوين وبدأ شهر رمضان وسهرات رمضان وقبل مضي أسبوع حضر المرحوم محمد عمر القانونجي في أحدي الليالي، وبدأنا في أحياء حفلات غنائية، أنا بصوتي مع العود وهو يصاحبني بالقانون، وفي أحدي الليالي أخبروني بأنهم أعدوا لي مفاجأة عظيمة، فأنهم اكتشفوا في بلدة مجاورة أجمل صوت سمعوه.

وانتظرت فحضرت فتاة صغيرة تلبس العقال العربي وتتعثر في خطواتها الحجلة ومعها أخوها وهو شاب يرتدي الجبة والقفطان والعمامة ولا أدري السر الذي جذبني نحو هذه الفتاة وجعلني أؤمن بأنها لابد صاحبة هذا الصوت العجيب بالرغم من أن أخاها الشيخ خالد كان يتقدمها في المشي بل ويكاد يقود حركاتها.

وبدأت أحادثها فراعني ذكاؤها الخارق بالنسبة لسنها التي لم تكن تتعدي الخامسة عشرة وأعجبني أيضا خفة دمها وروحها، وهي لم تفارق أم كلثوم إلي الأن، وأن كانت وقتها تمتاز بسذاجة الفطرة الريفية.

وأخيرا طلبت منها أن تغني فغنت وأبدعت وروت وأشبعت كما يقول أهل الأدب، ومنذ ليلتها وأنا أصم لا أسمع إلا صوتها، أبكم لا أتحدث إلا باسمها فقد أصبحت مفتونا بها وأقول مفتونا لأنني أحببتها حب الفنان للحن خالد تمني العثور عليه دهرا طويلا، وتشجعت وألححت عليها في الرجاء أن تزورني دائما طيلة شهر رمضان، فاستجابت لرغبتي ولم تكن استجابتها حبا في عيون العبد لله بل كان لشغفها بالاستماع للقصائد والأغاني التي أغنيها كل ليلة والتي كثيرا ما كنت أحاول تحفيظها لها.

ويسترسل زكريا أحمد عن حكايته عن أم كلثوم قائلا: وتعود بي الذاكرة إلي تلك الأيام الجميلة أيام الشباب إذ كنت وقتها في الرابعة والعشرين أنيقا شديد العناية بملابسي وهندامي.

حتي أن أخاها خالدا لمح حقيبة سفري فشاهد فيها عددا من الأحذية ففضحني ليلتها بين أهل البلدة قائلا:

هوه فيه صييت يسافر ويشيل معاه ست جز.

وهكذا توثقت علاقاتي وصداقتي بأم كلثوم وأخيها الشيخ خالد ودعتني لزيارتها بمنزلها بمطاي الزهايرة وهناك عرفتني بوالدها المرحوم الشيخ إبراهيم وكان رجلا في غاية التقوي والورع، فقضيت معهم أوقاتها طيبة أستعدت فيها نزوات الصبا ومرح الطفولة.

إذ كنت أمص مع أم كلثوم القصب وألاعبها الورق علي الطبلية وذلك لأرضائها فقد كانت أم كلثوم وقتها فتاة طليقة غير مقيدة بالمسئولية التي تقيدها الأن وكانت لا تحب سوي الموسيقي والمرح.

وأخيرا انتهي شهر رمضان وافترقنا فعدت أنا إلي القاهرة، وبقيت هي بطماي الزهايرة،  وعدت إلي القاهرة فغمرتني الحياة الصاخبة التي تغمر كل شيء حتي الذكريات السعيدة ولكن أم كلثوم ظلت من جانبها تراسلني بخطابات تحمل عبارات ساذجة مكتوبة بحبر أخضر يذكرني بالخضرة والصوت الحسن، وكانت خطابتها تدفعني دائما إلي القيام بالدعاية لها هنا من حيث لا أدري ولا تدري.

وفي نهاية سنة 1920 زارني أحد أصدقائي من التجار وطلب مني أحياء فرح له، فكتبت لها وكان أول خطاب أكتبه إليها وجاءني الرد بالقبول بعبارة مؤدبة وكانت أجرة الليلة ثمانية جنيهات زودتها بعد الحفلة إلي عشرة جنيهات، وقد دعوت في هذه السهرة المرحومين الشيخ علي محمود والشيخ أحمد ندا، وبعد أن سمعاها أمنا بها إيماني بها من قبل.

وأخذت أم كلثوم تصعد درجات المجد مستندة إلي ذراع أستاذها الأول الشيخ أبو العلا، وغنت لي بعدئذ أول مقطوعة لنتها لها وكانت "اللي حبك يا هناه".  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق