الجمعة، 17 سبتمبر 2021

من حي بولاق إلي ماسبيرو.. طفولة سعاد حسني التعيسة


 


والدها ضربها علقة ساخنة عندما ضربت أختها المطربة نجاة

رغم حبها للبالونات تخلت عنها مقابل صورة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم

حفظت في سن السادسة أغنية "غلبت أصالح في روحي"

عقدتها والدها الذي كان مزواجا وكثير إنجاب الأطفال ولا يهتم بتعليمهم الكتابة والقراءة

بعد غنائها "أنا سعاد أخت القمر" الإذاعي الكبير بابا شارو تنبأ لها مستقبل كبير

عماد خلاف

منذ مجيئها للدنيا في 26 يناير عام 1943، كان المواطنين في الوطن العربي علي موعد مع السعادة والشقاوة والفرفشة والضحكة الحلوة، سعاد محمد حسني البابا، ابنه الخطاط الذي ينتمي إلي العائلة البابانية، التي عاشت في دمشق في فترة الحكم العثماني، واضطر جدها حسني البابا المطرب السوري، ترك المدينة الدمشقية ليأتي إلي قاهرة المعز في عام 1912 مصطحبا أسرته، ليستقروا جميعا بعد أن ضاقت بهم الدنيا هناك.

محمد حسني البابا، الذي اشتهر بمهاراته في الخط العربي، إذ عمل في القصر الملكي، بعدها تولي إدارة مدرسة الخطوط الملكية بالعباسية بتكليف من الملك فاروق،  وتزوج من جوهرة محمد حسن صفور من عائلة صفور بمحمص بسوريا والده سعاد، والتي تشبهها إلي حد كبير، وانجبت والدتها 16 أخ وأخت، بسبب انفصال والديها وهي في الخامسة من عمرها، للتزوج الأم من مفتش التربية والتعليم، عبد المنعم حافظ، فلها 8 أخوة لأبيها بينهم 4 ذكور و4 إناث، و6 لأمها منهم 3 ذكور و3 إناث، وشقيقتين لسعاد حسني هما، كوثر وصباح.

ولدت السندريلا سعاد حسني في حي بولاق، وتعلقت بالغناء من خلالها عشقها لأم كلثوم الذي تربت علي صوتها وهي صغيرة، حيث تحكي أخت القمر سعاد حسني ، عن علاقتها بالغناء فلم يكن حبي للغناء وليد الصدفة بل جاء نتيجة أن المحيطين بي من الأهل كانوا يعشقون الفن، وفي سن السادسة كنت أحفظ أغاني أم كلثوم، وأول أغنية حفظتها هي "غلبت أصالح في روحي، لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي وصفتها بأنها هي من جعلتها تتعلق بالغناء وتعشقه لدرجة كبيرة، ورغم حب السندريلا للبالونات أعطتها لطفله صغيرة من أجل الحصول علي صورة أم كلثوم.



وبعد عودتها إلي البيت كما تروي سعاد حسني، قامت أختها المطربة نجاة بتمزيق صورة أم كلثوم، وبسبب تصرف أختها نجاة قامت سعاد بغرس أظافرها في وجه أختها، حتي سالت منها الدماء، وقام والدها حسني البابا بضربها علقة ساخنة، حيث تصفها سعاد بأنها أو مرة والدها يضربها بهذه الطريقة البشعة.

ورغم سن سعاد الصغير الذي انفصلت فيه الأم عن الأب لكنها تروي عن أبيها أنه كان يخصص لنفسه غرفة ليكتب فيها الخطوط، وفي حالة وجود الأب في غرفته للعمل لا يصدر الأولاد أي صوت حتي لا يزعجوا الأب المنهمك في كتابة الخطوط، ولكن الطفلة الصغيرة سعاد لم تلتزم بالتعليمات وقامت بالغناء لأم كلثوة أغنية "غلبت أصالح روحي" وما أنتهت السندريلا من الأغنية فوجئت بوالدها أمامها لترتبك وتصاب بالذعر خوفا من ضربها علقة أخري.



لكنها فوجئت بتصرف أبيها معها عندما ربت علي كتفها وطلب منها أن تغني مرة أخري، ووعدها بدسته بالونات، فغنت له "هلت ليالي العيد" ليقتنع الأب بموهبة ابنته الصغيرة سعاد ويصطحبها إلي الإذاعة ليقدمها إلي الإذاعي الكبير بابا شارو، لتغني أمام الميكرفون، وتدندن "أنا سعاد أخت القمر/ بين العباد حسني اشتهر" ومن أن انتهت من الغناء أثني عليها الإذاعي بابا شارو قائلا لوالدها: ابنتك ينتظرها مستقبل باهر وكبير".

ويضمها بابا شارو في البرنامج الإذاعي الذي يقدم للأطفال، وفي المرة الثانية يطلب منها والدها الذهاب إلي البرنامج الإذاعي ترفض بحجه أن بابا شارو لم يأتي لها بالونة في المرة السابقة، ولكن والدها يحضر لها البالونات لتذهب إلي البرنامج وتستمر فيه.

كثير من الكتاب والصحفيين الذين كتبوا عن سعاد حسني البعض منهم عاش قريبا منها والبعض الأخر دون عنها ما سمعه، من بين الكتاب الصحفيين الذين عاشوا بجوارها والتقوا بها وعرفوا عنها الكثير الكاتب الصحفي عبد النور خليل مؤرخ الفنانين، الذي ألف كتابا مهما عنها بعنوان "سعاد حسني.. ضحية اغتالها المثقفون" وعرف الكثير عنها ودون كل ما قالته له في كتاب، حيث كانت تربطهم صداقة متينة، منذ الخمسينيات حتي رحيلها المفاجي، ليضطر أن يكتب عنها كتابا فمعروف عنه أن عمل صحفيا في دار الهلال وكانت تربطه علاقة بعائلة سعاد.

يروي عن الصحفي عبد النور خليل عن بدايات سعاد حسني قائلا: عقدتها أو مأساتها كانت مرتبطة بوالدها محمد حسني البابا، الذي تربع علي عرش فن الخط العربي، وكان لا ينافسه أحد سوي محمد إبراهيم كاظم والد الكاتبة الصحفية الكبيرة صافي ناز كاظم، ورغم ما حظي به والدها لكنه كان مزواجا كثير الطلاق بالإضافة إلي كثرة الأطفال بطريقة مرعبة، وكان يترك الأولاد تهيم بهم الحياة، ولم يكن يحرص علي تعليم أولاده الصغار في المدارس، أو حتي مباديء القراءة والكتابة وليس من بين أولاده الذين جاءوا من صلبه من التحق بالمدارس من أجل التعليم، بل علموا أنفسهم بأيديهم في  ظروف شاقة جدا، وكان كل هذا سببا رئيسيا في عقدة سعاد حسني التي سوف تعيش معها طيلة حياتها، وتسبب لها مشكلة كبيرة عندما تكبر وتريد الالتحاق بالتمثيل.

وأولاد وبنات حسني البابا كانوا جميعا فنانين بالفطرة، حيث أن المطربة نجاة كان لها شأن كبير بين الأطفال، وكانت تغني دائما في بيت أبيها، وذات مرة سمعها شقيقها عز الدين، فوجدها لا تخرج عن اللحن الذي تشدو به، وكان عز الدين من الأطفال الغير أشقاء لسعاد حسني حيث التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي العربية، وأصبح ملحنا معروفا، إلي جانب سامي محمد حسني البابا وكان يجيد العزف علي الكمان والرق، ومعه فاروق يعزف علي القانو والعود ويجيد الرسم، ومعهما سميرة تجيد  العزف علي القانون والعود والكمنجة، وبسبب هؤلاء جميعا وبقيادة عز كونوا أول تخت للمطربة نجاة الصغيرة، التي أصرت هي الأخري علي أن تعلم نفسها.

وفقدت سعاد حسني حنان الأب وحضنه في سن مبكرة جدا، فهو للأسف حاضر بجسده فقط، أما روحه فلا وجود لهما في حياتها، وفقدانها له كان سبب كبير في دوامات الحزن القاسي الذي تلازمها طيلة حياتها، رغم الانطلاق والمرح والدلع الذي صاحب سعاد طيلة حياتها فكانت تعوض غياب الأب بالرمي في حضن السعادة، وكأنها لم تعرف البؤس يوما ما.

وفي سن السادسة حصلت أم سعاد حسني علي الطلاق، للتزوج من ناظر مدرسة ابتدائية عبد المنعم حافظ، الذي كان عاشقا للفن وحريصا علي حضور محاضرات في التذوق الموسيقي، وتأخذ الأم بنتها سعاد مع أولادها لتضمهم معها في زواجها الثاني، ورغم إنجابها الأولاد من الزوج الأول حسني البابا، لكنها أنجبت مرة أخري من زوجها عبد المنعم حافظ، وراحت تلد كل عام مولود، ليصلوا إلي سبعة عشر ولدا وبنتا، وهذا العدد الكبير جعل سعاد حسني لا تعرف الحب ولا الدفء الأسري أبدا، فالأب غائب والأم تلد كل عام ولا شيء غير ذلك، وتبحث عن أمها لا تجدها والأب مزواج كثير الطلاق.

عاشت سعاد وأخواتها بعد انفصال والديها، مع أمها وزوجها الجديد عبد المنعم حافظ، وتنجب الأم منه ثلاث بنات وثلاثة أبناء وهم جيهان، وجانجاه، وجيلي وجهير وجاسر وجلاء.

وتحكي سعاد حسني مواقف طريفة مع الكاتب وجدي الحكيم، قائلة: لا أتذكر شيئا كثيرا عن حياتي في الطفولة، ولكن من بين ما أذكره عندما كنت أغني في برنامج الأطفال الخاص بابا شارو، عندما كانت تغني "طولي شبر ووجهي بدر، صوتي ساحر كلي بشر، وغيرها من الأغاني التي أتذكرها وهي أنا سعاد أخت قمر، وهناك واقعة أتذكرها عندما كان هناك تسجيل للإذاعة وكان علي الهواء مباشرة، وكنت نمت تحت البيانو إلي أن جاءت فقرتي فنادوا عليه، وصحيت من النوم علي الميكرفون.

في مرة طلعت علي المسرح وغنيت والناس فرحوا قوي بيه وفضلوا يصقفوا ليه، ساعتها رحت بكيت من الفرحة، ويصف الممثل سمير صبري، سعاد حسني وهي طفلة بأنها كانت طفلة غلبانة، وضائعة، وعاشت طفولة تعيسة وكانت بلا عائلة وتحتاج إلي من يرشدها، وتعذبت جدا في طفولتها، فلم يكن أحد بجانبها، وهي من اعتمدت علي نفسها طيلة حياتها.

وفي لقاء أخر للسندريلا سعاد حسني عن طفولتها تقول عن الإذاعي بابا شارو كان لطيف جدا مع الأطفال وكان بيحبنا جدا وبتعامل معانا برقة ولطف، وفي مرة خرج بابا شارو علي الهواء مباشرة في الإذاعة قائلا معي ست من المغنيين الصغيرين جدا، وفي كل مرة كنا بنسمع كل طفل لوحده، المرة دي سوف تسمعوهم مرة واحدة، لتقول في البداية طفلة أنا صباح زي القمر، ومن بعدها يأتي صوت سعاد حسني وهي تقول أنا سعاد أخت القمر بين العباد حسني اشتهر، أنا مني أن هالة، أنا سما، أنا شروق، أنا ابتسام، لتنهي الأغنية بعد أن تقدم كل واحدة من الأطفال نفسها بشكل منفرد، لينهي البابا شارو البرنامج قائلا: سمعتوا يا حلوين الستة الأطفال بيغنوا، سمعتوا أولا صباح وبعدها سعاد، وبعدها مني وبعدها بذور وبعدها أبتسام، وأخيرا ناجي فتي الفتيان، لينتهي البرنامج الإذاعي لبابا شارو، الذي شهد نجومية وسيطرة سندريلا العرب سعاد حسني أخت القمر الذي بدأت حياتها بمأساة وأنتهت أيضا بوقوعها من شرفة شقة في لندن، ما بينهم حكايات كثيرة لابد أن تحكي عن سعاد حسني الذي حيرت وخطفت قلب كل من أقترب منها سواء كانت صغيرة أو كبيرة، لتكون بحق أعظم ممثلة في تاريخ السينما العربية، والعالمية بعد أن طورت من نفسها، لتبدأ مرحلة جديدة مع النجومية والشهرة عندما تلتحق بالسينما.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق