الأحد، 19 سبتمبر 2021

المخرج حلمي رفله حاول الانتحار في فيلا يوسف وهبي

 



عماد خلاف

ما بين الإخراج والتأليف والإنتاج تنقل المخرج الكبير حلمي رفله لتصل مجمل أعماله 80 عمل درامي، وراح يتألق في كل مجال عمل به، حيث أرسلته وزارة المعارف في بعثه إلي لندن وباريس في عام 1936 لدراسة فن المكياج، فدرس الإخراج أيضا، وعند عودته عين ماكييراً في الفرقة القومية المسرحية، ثم اتجه إلي السينما وعمل مساعد مخرج منذ عام 1942، بالإضافة إلي أنه عمل المكياج لأم كلثوم في جميع أفلامها.

وعندما علم طلعت باشا حرب بعودته إلي القاهرة في المرة الأولي ألحقه بالعمل مساعدا لبعض الأجانب الذين استقدمهم طلعت باشا من أوربا للعمل بأستديو مصر في جميع التخصصات السينمائية، لكنه عاد مرة أخري إلي فرنسا لدراسة فن المكياج.

ومن بين المواقف الطريقة التي يرويها مخرجنا الكبير حلمي رفله، عندما سافر إلي فرنسا، ولم يجد مكان يقيم فيه، سوي فيلا الممثل الكبير يوسف وهبي، وبالفعل اتجه إليه وراح يبيت ليلته هناك لتحدث المفاجأة التي ظلت تلاحقه طيلة حياته.

سافرت إلي باريس لأستجم وأري الدنيا وأنسي متاعب عملنا الشاق الذي لا يرحم، وعلي عادتي وقعت بوليصة تأمين علي الحياة من نوع خاص يستمر مدة السفر، ويكون لأولادي من بعدي، لا قدر الله، إن يحصلوا علي مبلغ عشرين ألف جنيه، من شركة التأمين إذا حدث أي حادث في الطريق، وأودي هذا الحادث بحياتي.

وبحثت عن حجرة في فندق فلم أجد، وبحثت عن غرفة في بنسيون ولكنها كانت عزيزة المنال، وكان معي عنوان صديقي الأستاذ يوسف وهبي، وأقبل الليل علي، وأنا أدور بالتاكسي في الشوارع وبين مكاتب التأجير فلا أجد مكانا للمبيت، وهنا فضلت أن أذهب إلي الفيلا التي يستأجرها يوسف لأبيت سواد الليل ثم أستأنف البحث في الصباح، وكان في هذا نوع من الضيافة المفروضة، ولكن الذي هونه علي أن الكلفة بيني وبين يوسف مرفوعة تماما، وأن السيدة الفاضلة زوجته تعاملني معاملة طيبة كشقيق صغير يستحق العطف.

وأما أن وصلت حتي استقبلوني يوسف وزوجته وابنته، بحفاوه وترحاب، وأعدت السيدة زوجة يوسف وهبي مائدة العشاء وهي عادة من طعام خفيف لأن يوسف لا يحث الأكثار من الطعام في الليل، والطعام الخفيف عند يوسف وهبي هو سلطة واللبن الزبادي، وقد انصرف الخادم الذي يحضر لهم الأشياء من السوق، ولهذا اعتذرت لي السيدة المضيفة بأن العشاء لا يليق بي.

ثم قالت: وعلي كل حال يا حلمي ما تنساش أن اللبن الزبادي خفيف علي المعدة، وأنا أنصحك أنك تخليه دايما عشاك علشان تخس.

وكان لي رأي أخر في اللبن الزبادي، رأي تكون من عنده تجارب، فأنني لا أكاد آكله حتي أحس بانتفاخ في بطني، ويخيل إلي أن أمعائي قد صارت قربة محملة بالماء، ولكنني رأيت من الجليطة وقلة الذوق، بل والجحود، أن أتمرد علي ما يقدمون لي من طعام وأن أحرجهم وكنت جائعا، ونزولا علي الأداب التي يجب أن يتحلي بها الضيف أقبلت علي اللبن ونتاولت عشائي منه، وقمت بعد ذلك علي فراشي مباشرة، وما أن أطفأت النور حتي تسلل إلي عيني ولم أعد أحس شيئا حولي.

ويستكمل حلمي رفله حكايته من باريس، قائلا: ولست أدري كم مضي علي في نومي الهادئ العميق، غير أنني أحسست فجأة بشيء ثقيل يطبق علي أنفاسي ويجثم علي صدري ويطوق رقبتي، وحاولت أن أتحرك فلم استطع وحاولت أن أرفع يدي لأضيء النور، فلم أقدر، ٍبل حاولت أن أصرخ فوجدت لساني مشدودا إلي حلقي، أما أمعائي فقد حدث فيها الانتفاخ المعتاد واستولي علي شعور غريب بأنني أقترب من الموت، ولم أكن أعلم هل أنا في يقظة أم في غيبوبة، وإذا كنت في يقظة فلماذا لا أقفز من فراشي لأفر من هذا الشيء الثقيل الذي يكاد يقلتني قتلا، وإذا كنت في غيبوبة فكيف أفكر هكذا، ثم مالذي دفع خاطر الموت إلي رأسي؟.

وفجأة تذكرت أولادي، والتأمين الذي وقعت علي وثيقة قبل أن أغادر القاهرة، أن الشرط الذي تعلق عليه أخذهم لمبلغ التأمين، العشرين ألف جنيه، هو أن الموت في حادث ما، أما الأن فهانذا أموت علي فراشي، أموت في سلام وبلا إصابات أي أن أولادي لن ينالوا شيئا، فأذا لم يكن من الموت بد، فمن العجز أن أكون جبانا.

نعم لن أكون جبانا، نعم لن أكون جبانا، سأموت بالطريقة التي تعجبني سأموت بالشكل الذي يعطي لأولادي الحق في قبض المبلغن أنني ميت ميت، فلماذا أجعلها ميتة وخراب ديار كما يقولون؟، لتكن ميته فقط، أما العشرون ألف جنيه، فستفتح البيت من بعدي.

وتابع حلمي رفله حكايته مع الغيبوبة التي عاشها في فيلا يوسف وهبي، قائلا: وخواطر أخري غريبة تفاقمت إلي رأسي وأنا مستلق علي فراشي، ثم سيطر علي أن أختار طريقة الموت بنفسي، فقفزت من فراشي واتجهت إلي النافذة لألقي بنفسي منها.

شيء واحد ردني من هذا الجنون الذي أقدمت عليه، أن النافذة مغلقة، ولم أنم ليلتها، فقد عدت إلي الفراش وأنا أصلي لله أنه جل جلاله، أنقذني ومد في أجلي من أجل أولادي وزوجتي.

وفي الصباح رويت لصديقي يوسف وهبي ما حدث لي، وأفهمته أنني لا أحب اللبن الزبادي لهذا السبب، لأنه يقلب نومي الهادئ إلي أحلام مزعجة، وكانت أحلامي هذه مثار ضحكهم ودعابتهم طيلة اليوم، وعرفت منهم أن ماحدث لي هو مايسمي بالكابوس، وليس سببه اللبن كما أتوهم بل سببه أنني لجأت إلي الفراش بعد الأكل مباشرة.

المخرج الكبير حلمي رفله قام بعمل أول مكياج في فيلم يحيا الحب في عام 1938، من إخراج محمد كريم، ثم انتقل للعمل بالإخراج وكون شركة إنتاج مع أحمد بدرخان وعبده نصر‏، وقام بإخراج أول فيلم له "العقل في إجازة" عام1947.

كما قام بتأليف حب وجنون"،"المجنونة"، "آه من الرجالة"، "ابن للإيجار"، "عاشق الروح"، "هدى ".

كما تألق في إخراج "حماتي قنبلة ذرية "، "فاطمة وماريكا وراشيل"، "المظ وعبده الحامولي"، "فتي احلامي"، "معبودة الجماهير"، "الوفاء العظيم"، "نساء في المدينة"، "لا يا من كنت حبيبي"، "النشالة".

وعمل المكياج لأفلام "غرام بدوية"، "لست ملاكًا"، "رصاصة في القلب"، "نورالدين والبحارة الثلاثة"، "تحيا الستات"، "ليلي بنت الريف"، وأنتج "نساء الليل"، "نادية - شفيقة القبطية"، "المماليك"، "نهر الحب"، "إحنا التلامذة"، "شاطيء الأسرار"، "امرأة في الطريق".

كما اكتشف العديد من النجوم من بينهم محمد فوزي وشادية ومديحة يسري، ورحل عن دنيانا عندما كان المخرج حلمي رفله في طريقة من ليون إلى باريس لمعاينة أماكن تصوير فيلمه عن قصة حياة "توفيق الحكيم" وافته المنية في باريس ورحل في 22 أبريل عام 1978.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق